مقالات مختارة

تسويق الاتفاق النووي حميدي العبدالله

 

إذا كان هدف الغرب بالأساس منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، فيمكن القول إنّ الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين إيران ودول 5+1 يعبّر عن معادلة «رابح رابح» التي عادة ما يتحدّث عنها المسؤولون الإيرانيون، أيّ أنّ إيران ربحت حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وربحت رفع العقوبات، ودول 5+1 ربحت ضمان عدم تحوّل برنامج إيران السلمي إلى برنامج عسكري وإنتاج القنبلة النووية.

الآن بدأت معركة تسويق الاتفاق من قبل كلا الطرفين، وحتى قبل الإعلان رسمياً عن تفاصيل الاتفاق، بدأت أطراف عربية ووسائل إعلام غربية تسريب معلومات عن محتوى هذا الاتفاق، تسلّط الضوء فقط على جانب منه، مثل ما تناقلته وكالات الإعلام الغربية عن العودة إلى فرض العقوبات بعد مرور 65 يوماً، إذا خرقت إيران الاتفاق، والحديث عن مدة رفع العقوبات عن إيران المتعلقة ببيع الأسلحة البالستية.

في المقابل الإعلام المؤيد لإيران سرّب معلومات عن أنّ الاتفاق يجيز لإيران توريد الأسلحة لحلفائها، والأرجح أنه ليس هناك نص بهذا الوضوح، بل الأرجح أنه لم يتطرق نص الاتفاق إلى هذه المسألة، ولكن تمّ استنتاج الخلاصة لعدم وجود نص في الاتفاق يمنع إيران من توريد الأسلحة لحلفائها، وهو أمر لم يكن مطروحاً للنقاش، من حيث المبدأ، بالنسبة لإيران.

واضح أنّ كلّ طرف يريد القول إنه خرج من هذه المعركة رابحاً، وبديهي أنّ كلّ طرف يريد ترويض الصقور في جبهته من خلال التأكيد على أنّ الاتفاق لبّى كلّ ما يتطلع إليه. في السياسة لا وجود لشيء مطلق، والتسويات دائماً تنطوي على تنازلات متبادلة.

صحيح أنّ من حق إيران التأكيد على أنها حققت انتصاراً واضحاً، ليس فقط لأنها بالأساس لم تكن تسعى إلى إنتاج القنبلة النووية، ولأنها حازت على رفع العقوبات، بل أكثر من ذلك أنها حصلت على اتفاق أهمّ مما كانت مستعدّة للموافقة عليه، لو لم يلجأ الغرب إلى تعطيل المفاوضات وفرض شروط تعجيزية في وقت سابق، إذ أنّ إيران كانت قد وافقت على الاكتفاء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 في المئة. والآن الاتفاق الجديد يتيح لها التخصيب بنسبة 5 في المئة، كما أنها كانت مستعدّة لقبول اتفاق يحدّد أجهزة الطرد بـ 3500 جهاز، بينما الاتفاق الحالي يسمح لها بالاحتفاظ بحوالى 6000 جهاز طرد. لكن مع ذلك يمكن الاستنتاج أنّ الاتفاق تضمّن تنازلات متبادلة عن طموحات كان كلّ طرف يسعى إليها، سواء من أجل لحظة المفاوضات ذاتها، أيّ رفع سقفه الأعلى للحصول عبر التسوية على عائد مجز أو من أجل إرضاء ومحاصرة الصقور الذين يرفضون في المبدأ تبادل التنازلات.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى