انهيار الهدنة في اليمن عشية اتفاق النووي د. إبراهيم علوش
لا تريد السعودية هدنةً إنسانية أو غير إنسانية في اليمن، وقد طورت قصفها العدواني للمدن والمناطق اليمنية ليطاول أهدافاً مدنية أكثر من أي وقت مضى منذ بدء العدوان، بالضبط عشية وصول المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى صنعاء والرياض في سعيه لإقرار هدنة إنسانية. جاءت هذه المعاندة السعودية في مواجهة توجه دولي وأميركي بهذا الاتجاه، وكانت الخارجية الأميركية قد دعت على لسان ناطقها الرسمي جون كيربي لهدنة إنسانية فورية في اليمن، قبيل جولة ولد الشيخ أحمد للرياض وصنعاء، تأييداً لدعوات دولية مماثلة، ناهيك عن إعلان الأمين العام لجامعة الدول العربية د. نبيل العربي بعدها بأيام دعمه للهدنة الإنسانية في اليمن، ما يوحي بأن التحالف العربي يعاني من التشقق إزاء الموقف من اليمن، وأنه لم يعد، تماماً، رسمياً عربياً.
موقف الولايات المتحدة الداعي لهدنة إنسانية ولوقف الأعمال القتالية، من دون فرض الشرط السعودي المسبق الخاص بتراجع الحوثيين والجيش اليمني خارج المناطق التي دخلوها، وإدخال مراقبين دوليين، يمثل في الواقع ضربةً للموقف السياسي السعودي وسحباً للغطاء الأميركي عنه. وقد جاء بيان الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ليعلن هدنة غير مشروطة في اليمن ابتداءً من 10 تموز 2015، كان يفترض أن تسري حتى نهاية شهر رمضان المبارك، ليكرس عملياً التنازل عن الشروط السعودية للهدنة، في عبارة «غير مشروطة»! وقد أعلنت روسيا في اليوم التالي شروعها بإرسال مساعدات غذائية لليمن، في محاولة لفرض أمر واقع عملياً، لكن العميد العسيري المتحدث باسم قوات التحالف السعودي صرح بأن التحالف غير معني بالهدنة إن لم تُفرض آلية مراقبة لتطبيقها من قبل مراقبين ميدانيين، أي لا هدنة قبل موافقة «أنصار الله» والجيش اليمني على شروط السعودية السياسية، ما أعاد مشروع الهدنة المزمعة إلى نقطة الصفر عملياً.
وكان المبعوث الأممي قد تلقى تأكيدات من الحوثيين والجيش اليمني باحترام الهدنة، بحسب قناة «CNN» في 10 تموز 2015، وقد تضمن بيان الأمم المتحدة نفسه شكراً لعبد ربه منصور هادي على «إبلاغه التحالف موافقته على الهدنة الإنسانية». لكن أحمد العسيري الناطق بلسان التحالف صرح في اليوم التالي أن التحالف لم يتلق طلباً «من حكومة اليمن»، أي من عبد ربه منصور هادي، «بالهدنة»، فبأي لسان مزدوج يتحدث هادي؟! أم أنه قدم طلباً للتحالف بقبول الهدنة فرُفض؟
الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، الذي عاد عن استقالته بقرار سعودي، كان في الواقع قد أبلغ التحالف والأمم المتحدة موافقته على الهدنة الإنسانية حتى نهاية شهر رمضان بـ«ضوابط» مثل انسحاب الحوثيين والجيش اليمني من عدن وشبوة ومأرب وتعز، إلخ… بحسب «سكاي نيوز العربية» في 8 تموز 2015، وهو ما يعني رفض الهدنة عملياً، والإصرار على تحويل اليمن إلى رهينة سياسية لشروط لا تملك السعودية وأدواتها القدرة على فرضها على الأرض، ولهذا تمضي في تدمير اليمن وارتكاب الجرائم فيه بعد إفشال مفاوضات جنيف الشهر الفائت، وهو ما يشكل فعلياً شكلاً من «إرهاب الدولة»، ما دفع عبد الملك الحوثي للإعلان على قناة «المسيرة» لمناسبة يوم القدس العالمي، ولننتبه إلى أن ذلك جاء بعد إعلان رسالة هادي للتحالف والأمم المتحدة بيومين، أي في 10 تموز 2015، أنه لا يتوقع للهدنة أن تنجح، ملوحاً بخطوات استراتيجية كبيرة إذا لم تتراجع السعودية عن عدوانها غير المبرر، وهذا مهمٌ جداً لكي لا يتوهم الطرف المعتدي أن اليمن منهار أو بصدد الموافقة على الهدنة بأي ثمن.
إعلان رئيس باكستان الإخواني ممنون حسين لصحيفة «الشرق الأوسط» الشهر الفائت أن جيش بلاده على استعداد للتصدي للحوثيين إن حاولوا اختراق الحدود السعودية ربما يبدو جميلاً على الورق الأصفر، فالشهر الفائت شهد أيضاً تصاعداً في عمليات الاختراق والقصف لجيزان ونجران من الجهة اليمنية، مع العلم أن الاختراق والعدوان بدآ من الجهة السعودية باتجاه اليمن، وليس العكس، ومع العلم أن الرد اليمني المقتصر على القصف وعمليات الكر والفر عبر الحدود مع السعودية ما برح محدوداً جداً قياساً بحجم العدوان السعودي وبما يقدر عليه.
الأهم أن الميزان العام للعدوان السعودي على اليمن بات يعاني عجزاً رهيباً في الحسابين الميداني والسياسي، فلا هو تمكن من كبح جماح الجيش اليمني والحوثيين ميدانياً، ولا تمكن من فرض شروطه السياسية، وفي الآن عينه بدأ الموقف السعودي في اليمن يعاني من عزلة سياسية دولية وإقليمية متزايدة حتى من بعض حلفائه، حتى أن وزارة الخارجية التركية أعلنت على مضض ترحيبها بالهدنة الإنسانية، أما قطر فأعربت عن وضع «ثقلها» خلف السعودية في اليمن! ولم يتبق أمام آل سعود في الزاوية التي حشروا أنفسهم فيها إلا التعاون مع «إسرائيل» التي سبق أن عرضت في شهر أيار الفائت نقل تقنية «القبة الحديدية» لجيزان لحماية العمق السعودي من الاختراقات اليمنية.
الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة نقطة اتفاق أخرى بين آل سعود والكيان الصهيوني، وهو اتفاق كان يقتضي إنجاحه من الإدارة الأميركية تسكين عدد من نقاط الاحتكاك مع إيران وحلفائها، ومنها اليمن، وهي أحد أهم أسباب التصعيد السعودي للعدوان عليه. فإذا تبع الاتفاق النووي تفاهمات أميركية – إيرانية حول عدد من الملفات الإقليمية، فإن ذلك سيزيد من عزلة الموقف السعودي ويكشفه أكثر، وإذا لم تنعكس تلك التفاهمات في اليمن، فإن الاتفاق النووي سوف يحرر المزيد من الموارد الإيرانية لدعم الحلفاء في اليمن، وسيزيد من فرصة الرد على العدوان بطريقة استراتيجية تماماً كما ألمح السيد عبد الملك الحوثي. نكرر: مع الحل السياسي في اليمن، لكن الأولوية الآن لوقف العدوان.
(البناء)