لماذا وصلنا إلى هنا؟ العلامة الشيخ عفيف النابلسي
لماذا وصلنا إلى هذه الحالة من التردّي السياسي والعوز الاجتماعي والانفلات الأخلاقي والتراجع الأمني.
لأنه حين أُقرّت وثيقة الطائف لم تكن بنوده مستندة إلى حوار لبناني ـ لبناني حقيقي وكامل، ولم تكن نتائجه تُعبّر عن تمام المصلحة الوطنية اللبنانية وإنما إلى تسوية بين نافذين محليين وفاعلين ورعاة إقليميين ودوليين.
وصلنا إلى هذه الحالة لأنّ الحريري عندما جاء إلى لبنان جاء في إطار تحضير البيئة اللبنانية لقبول الصلح مع العدو «الإسرائيلي»، ولم يأتِ في سياق إنقاذ الوطن من براثن الطائفية وإجراء إصلاحات دستورية تكفل للمواطنين أن يكونوا مواطنين في الحقوق والواجبات.
وصلنا إلى هنا لأنّ الطبقة السياسية، التي بعض أعمدتها ـ يا للمفارقة ـ قادم من مشارب فكرية وأيديولوجية اشتراكية ونضالية، لم تكن أولوياتها تحقيق العدالة الاجتماعية وإنما الحفاظ على الامتيازات والحصول على المزيد منها.
وصلنا إلى هنا لأنّ القضاء جارى أصحاب رؤوس الأموال والنافذين في السلطة فلم يتساو المتحاكمون أمامه. السّراق الكبار الذين نهبوا أموال الشعب والذي خانوا وتعاملوا مع العدو «الإسرائيلي» كانت لهم حصانة، فلم تصل إليهم يد القضاء، في حين كان بمقدور أيّ زعيم سياسي نافذ في السلطة أن يدفع بالضعفاء إلى السجون.
وصلنا إلى هنا لغياب مشاريع العدالة الاجتماعية والتنمية والإصلاح السياسي والشفافية الإدارية والمالية.
وصلنا إلى هنا لأنّ الطغمة السياسية المتحكمة حالت دون أن يستفيد اللبنانيون من خيراتهم وطاقاتهم، فذهب الشباب منهم إلى المهاجر بحثاً عن فرصة عمل ومناخٍ من الكرامة.
وصلنا إلى هنا لأنّ السياسات السلطوية جعلت من اللبنانيين أزلاماً وجيوشاً من الباحثين عن مساعدات أمام أبواب الزعامات بدلاً من أن يكونوا مواطنين محفوظي الكرامة.
وصلنا إلى هنا لغياب المفاهيم الأخلاقية والمعايير السياسية حتى باتت المقاومة التي قدّمت التضحيات من أجل عزة وكرامة واستقلال لبنان ميليشيات طائفية فيما الناكثون والمارقون والسراقون والمتعاملون مع مشاريع التهديم والتآمر على الوطن والأمة أبطال أرز واستقلال.
وصلنا إلى هنا لأنّ الحوار الداخلي لا يحصل إلا بإملاءات خارجية.
لأنّ انتخاب رئيس للجمهورية لا يتمّ إلا بقرار خارجي.
لأنّ الاستقرار لا يتحقق إلا لمصلحة خارجية.
لأنّ قسماً من القيادات المحلية ينفذ أجندات خارجية أو ينتظر أن تستقرّ مشاريع الفوضى والتكالب على سورية والعراق واليمن على معادلة لها أذرع محلية.
وصلنا إلى هنا لأنّ الحلف الأميركي ــ «الإسرائيلي» السعودي ــ التكفيري له أتباع هنا لهم أوصاف وكراسٍ ومناصب معروفة يسقطون علينا مثل البق. هم والله سبب علة ما وصلنا إليه.
(البناء)