مقالات مختارة

أسود من السواد: جدعون ليفي

 

«يوم الجمعة الاسود»، كان يجب اعتباره كذلك بسبب أن جنود الجيش الاسرائيلي فقدوا اعصابهم في هذا اليوم كما لم يفقدوا اعصابهم في أي وقت آخر، وقتلوا عشرات الأبرياء كما لم يقتلوا قبل ذلك. اعترفت مصادر عسكرية في حينه أن «هذا كان اجراء هنيبعل الاكثر عنفا الذي استخدمه الجيش الاسرائيلي». وحسب مصادر فلسطينية فقد قتل في هذا اليوم 150 شخصا اغلبيتهم من المدنيين. والجيش يعترف بقتل 41. الجيش قصف كل سيارة تتحرك وكل بناية في بضعة أحياء في المدينة الأكثر تضررا في القطاع. 1 آب 2014 كان يوما أسود من السواد.

كان ذلك يوم اسود ايضا لأن ثلاثة جنود اسرائيليين قتلوا فيه ـ بانيا سرئيل، ليال جدعوني وهدار غولدن. المحرر الرئيس لشؤون الجيش والامن في وسائل الإعلام الاسرائيلية ومتحدث الجيش العقيد موتي ألموز، قرر أن هذا اليوم هو يوم الذكرى السنوية للحرب. وعندما يقرر المتحدث باسم الجيش فمن الذي لا يلتزم. مقاطع فيديو من الجيش ليس لها أي قيمة ثقافية تم اعطاءها لوسائل الإعلام التي استجابت بدورها وافتتحت بها النشرات الاخبارية والبرامج التلفزيونية وعناوين رئيسة لصحيفة منتشرة. الرسالة كانت بسيطة وواضحة: عملية الجرف الصامد كانت حرب بطولية اخرى. «نحن بعد رفح/ كما أردت يا طال»، يغني اريك لافي في حرب اخرى. كل الاحترام للجيش الاسرائيلي (حسب قوله).

ثلاثة جنود قتلى في معركة هم بيقين تراجيديا بالنسبة لاقربائهم. ويستحقون أن يكونوا رموز وطنية للبطولة والتضحية، مثلما هي الحال في أي حرب. وطبيعي ايضا أن يشعر الشعب بالحداد قبل كل شيء على أبنائه ومقاتليه. والامر الغير مقبول الذي لا يمكن استيعابه وتحمله والوحشي هو ادارة الظهر بالكامل للقتل الجماعي الذي حدث في ذلك اليوم لعشرات المواطنين الفلسطينيين.

لا يوجد لذلك ذكر في وسائل الإعلام الاسرائيلية المتجندة، لم يكن للامر أي تأثير خلال الحرب وخلال السنة التي مرت. من شاهد أول أمس التلفاز وسمع الراديو أو قرأ الصحيفة كان انطباعه أن «يوم الجمعة الاسود» قتل فيه ثلاثة جنود اسرائيليين، وانتهى. لم يحدث أي شيء آخر في ذلك اليوم، لم يحدث شيء مهم ذا مغزى، شيء يستحق أن يُذكر. هكذا تعمل وسائل الإعلام في خدمة غسل الدماغ، هكذا تعمل بنية اللاانسانية والفاعلة هنا. ثلاثة جنود قتلى ـ حدث وطني؛ 150 فلسطيني قتلى ـ ليست قصة. حياتهم وموتهم لا شيء. هواء. فراغ.

هذا ايضا تهيئة للناس ـ إذا كانت هناك حاجة أصلا ـ للنظرية الجديدة للجيش الاسرائيلي، التي تم تطبيقها في الحرب الاخيرة: من اجل حياة جندي اسرائيلي واحد مسموح للجيش فعل أي شيء. 100 قتيل فلسطيني، أو 1000 ـ يجب أن نسأل من وضع الرمز الاخلاقي المعدل للجيش الاسرائيلي، أفري جلعاد.

اجراء هنيبعل الذي تم احياءه هذا الاسبوع، هو ايضا الذكرى السنوية لوضع الاخلاقيات الاسرائيلية الجديدة. هذا لا يعني أنها تختلف كثيرا عن سابقتها، لكن هذا رسمي الآن: كل شيء مسموح. حياة الفلسطينيين تساوي أقل بكثير من قشرة الثوم. ومؤشر الجرف الصامد ـ 2104 قتيل فلسطيني مقابل 72 قتيل اسرائيلي؛ 1462 مواطن فلسطيني قتيل، مقابل 5 اسرائيليين؛ 551 طفل فلسطيني قتيل، مقابل طفل اسرائيلي واحد ـ ليس شرعيا فقط بل مطلوب (وستسمع فورا: ما الذي تريده، أن يُقتل اسرائيليون أكثر؟).

لذلك كان هذا «يوم الجمعة الاسود». اليوم الذي انفصلت فيه اسرائيل تماما عما تبقى من انسانيتها. اليوم الذي تتذكر فيه أبناءها الثلاثة فقط وتمحو من وعيها مئات الضحايا الابرياء، بغض النظر عن عددهم وقصتهم ومصيرهم.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى