مقالات مختارة

في الطريق إلى تراجع آخر:يعقوب عميدرور

 

لو سُئلت قبل اسبوعين حول الاتفاق مع إيران، لأجبت ببساطة: نعم. الأمريكيون يريدون، يريدون جدا، الاتفاق ـ هم يحتاجونه أكثر من الإيرانيين، والإيرانيون بحاجة ماسة اليه. الولايات المتحدة بعيدة عن الصيغة التي حددها وزير الخارجية: «عدم الاتفاق أفضل من اتفاق سيء». وموقفهم اليوم هو «تحقيق شيء عن طريق الاتفاق أفضل من عدم الاتفاق». لذلك هم مستعدون للتنازل في كل ما يتعلق بما يطلبه الإيرانيون الذين فهموا ذلك من جانبهم ولا يخافون من رفع الثمن، أي عدم التنازل، بل التراجع عن التفاهمات التي يعتقد الأمريكيون أنهم حققوها في الماضي.

لكن الولايات المتحدة دولة ديمقراطية، والكونغرس فرض نفسه على العملية، حيث سيفحص الاتفاق، حتى وإن كان لن يصادق عليه. في النقاش على صعيد الرأي العام يستطيع المهنيون طرح رأيهم واحدى المساهمات الهامة في هذا النقاش هي رسالة من «معهد واشنطن»، حيث وقع عليها خبراء من الحزبين، ومن ضمنهم اكاديميون ومطلعون على المفاوضات. أو أنهم كانوا على صلة بالموضوع، لذلك فهم يفهمون في مجال السلاح النووي الإيراني والتجربة الأمريكية المتراكمة في أعقاب فشل منع التسلح النووي لكوريا الشمالية. وقد حددوا عددا من المطالب التي إذا لم يحققها الاتفاق فلا يمكن اعتباره جيدا حتى حسب معايير البيت الابيض، لأن الحديث منذ البداية على مستوى متدني من المطالب.

ويوضحون في السياق أنه يجب الزام الإيرانيين بفحص المواقع العسكرية، وأن العقوبات سترفع بالتدريج حسب تنفيذ إيران للاتفاق، «والحكام» سيكونون من منظمة الرقابة النووية في فيينا، والامم المتحدة لن يكون لها أي دور في عملية اعادة العقوبات إذا لزم الامر. الإيرانيون من جانبهم يحاولون الحصول على المزيد من الامتيازات في الاتفاق، وقد أعلنوا أنهم لن يسمحوا بالرقابة على المواقع العسكرية. ويطلبون ايضا رفع الجزء الاكبر من العقوبات بشكل تلقائي.

هل سيصمم الإيرانيون على مواقفهم؟ لا أعرف. يمكن أنهم وضعوا الشروط كي يكون لديهم ما يتنازلون عنه، لأن انجازاتهم تتجاوز حتى الآن ما حلموا به، والآن «يتنازلون» عن المطالب الاضافية ويسمحون للادارة الأمريكية أن تقدم انتصارا في الكونغرس. في المقابل إذا صمم الإيرانيون فانهم سيرتكبون الخطأ الكلاسيكي الذي ترتكبه عادة الدكتاتورية أمام الديمقراطية. الديمقراطية تسعى بجهد من اجل السلام والاستقرار وتتردد في الخروج للحرب التي هي آخر الخيارات. أما الطرف الدكتاتوري فهو لا يتنازل ويقود المفاوضات إلى الزاوية ـ احيانا يكون الرد هجوميا بطريقة تفاجيء الطرف الآخر.

لا أعرف ما هو الخط الاحمر للولايات المتحدة. هناك من يقول إنه لا يوجد خط كهذا، وفي نهاية المطاف سيتنازل الأمريكيون لأنهم فقدوا عمودهم الفقري. آمل أنهم مخطئون. وآمل أنه عندما يتضح للأمريكيين أن الاتفاق لا يُلبي الحد الأدنى الذي وضعته رسالة معهد واشنطن، بأن يستيقظ الأمريكيون. حينها سيكون أمامهم سؤال ما العمل ـ الجواب لن يكون سهلا. إذا أرادوا مواصلة العقوبات، فسيكون من الواجب عليهم اقناع الاوروبيين والصينيين والروس، وهؤلاء لن يقتنعوا بسهولة. إذا أرادوا استخدام القوة العسكرية ـ لديهم القدرة على ذلك ـ فسيكون هذا عكس غريزة ومباديء الادارة. ويخشى الأمريكيون من هذا الخيار الصعب.

لهذا، أعتقد أن الأمريكيين سيفعلون أي شيء من اجل التوصل إلى الاتفاق، و»سينجح» الإيرانيون في افشاله إذا صمموا على مطالبهم وتسببوا بعدم قدرة مؤيدي الاتفاق على تبرير هذا الاتفاق والدفاع عنه عند التوقيع عليه. صحيح أن الإيرانيين يصعب عليهم فعل ذلك، لكن يمكن أن يغريهم الضعف الأمريكي ويدفعهم إلى ارتكاب خطأ كهذا، لذلك لا أعرف ماذا سيحدث، ولكن إذا أردت الرهان، لكنت راهنت على أن الولايات المتحدة ستجد «الطرق المناسبة» للخضوع لمطالب إيران، وسيكون اتفاق.

اسرائيل اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى