معالم التورط الإسرائيلي في الحرب السورية حلمي موسى
منذ بدأت الأحداث في سوريا وقبيل تطورها إلى ما هي عليه الآن شعرت إسرائيل بالارتياح لما يجري هناك. فالجبهة التي كانت على الدوام مصدر قلق بالغ لها صارت مشغولة بنفسها. وما أن ظهرت أبعاد الحرب الدائرة هناك حتى تطور الموقف الإسرائيلي من الارتياح للانشغال إلى الشعور بتغيير جوهري يؤثر على واقع إسرائيل ومستقبلها من الناحيتين التكتيكية والاستراتيجية. فقد نقلت الحرب الأهلية السورية إسرائيل من حال جوهري إلى آخر لأن هذه الحرب وجهت أقسى ضربة لتطلعات القومية العربية من جهة وأزالت ما كان يعرف بـ»التوازن الاستراتيج ي».
وليس صدفة أن إسرائيل عمدت طوال الوقت إلى عدم الظهور على الشاشة معتبرة أن غيابها الظاهري أفضل لأن حضورها كفيل بتصويب الأنظار نحوها. وكلما تعمقت الطائفية في سوريا وتعززت الكراهية بين مكونات المجتمع هناك كلما شعرت أن الخطر الأكبر يزول رغم نشوء أخطار جديدة. وازداد ارتياح إسرائيل عندما شعرت أن البديل لما كانت تعتبره جهات معادية في سوريا ولبنان ليس ديموقراطيا قادرا على تجميع قوى المجتمع وانشاء دول حديثة وإنما سلفية دينية وقبلية اجتماعية. فالسلفية الدينية، خصوصا إن كانت متطرفة، تسهم في تعزيز فكرة صراع الحضارات من ناحية وتحول دون إعادة توحيد الأمة العربية على أسس وطنية وقومية. وكان هذا هو المكسب الجوهري الأكبر لإسرائيل حيث تستند إليه داخليا بتأكيدها أنه إذا كان العرب عاجزين عن التعايش مع بعضهم فمن المؤكد أنهم أعجز عن التعايش مع الآخرين. وتسند هذه الفكرة رفض الحكومة اليمينية الإسرائيلية لأي مبادرات تسعى إلى حل القضية الفلسطينية سلميا. كما أنها تعزز الأفكار التي تقول أن إسرائيل بقبولها بقاء الفلسطينيين على أرضهم تحت سيطرتها هي «منّة» و»فضل» يحق لها أن تنال منهم الشكر بسببها.
ورغم تدخلات إسرائيل الكثيرة في الشأن السوري، فإنها حافظت على درجة عالية من الكتمان نحوها. وقد جرى الحديث عن إقامة «جدار طيب» وعن علاقات نشأت مع المعارضة السورية وعن صمت هنا وهناك وعن ضربات «غامضة» توجهها بين الحين والآخر لما تعتبره تجاوزا لـ»خطوط حمر» رسمتها. ولكن كل هذه الأحاديث لم تجد رسميا من يعبر عنها في الجانب الإسرائيلي لأن الدولة المعتادة على سياسة «الغموض البناء» تجد لها مصلحة في ذلك الآن أيضا.
ورغم أن تقارير مراقبي الأمم المتحدة في هضبة الجولان أشارت إلى اتصالات ولقاءات مع المعارضة السورية المسيطرة على قطاعات من الحدود مع هضبة الجولان السورية المحتلة إلا أن نقاشا جديا لم يثر حول ذلك لا على مستوى رسمي ولا حتى في الإعلام الإسرائيلي. وبدا أن جهدا كبيرا يبذل من أجل الاثبات أن إسرائيل «ليست هنا» حتى عندما تعلق الأمر بغارات على أهداف سورية أو تابعة لحزب الله على الأراضي السورية.
وقد تغير هذا الوضع حينما بدأ الحديث عن أخطار تتعلق بالعرب الدروز في سوريا. ورغم كثرة الإشارات إلى أن الدروز في سوريا وطنيون، كما الشعب السوري، ويرفضون العلاقات مع إسرائيل، إلا أن جهات رسمية حاولت الايحاء بأن «حلف الدم» مع الدروز في مناطق 48 له آثار على دروز سوريا. بل ذهب البعض إلى استذكار مخططات إسرائيلية سابقة دعت لاحتلال جبل الدروز وإقامة دولة أقليات متحالفة مع إسرائيل هناك. ولكن سرعان ما تبين أن كل هذه ليست سوى أوهام عند البعض لأن العالم يرفض حتى الآن تغيير معادلات سايكس بيكو ويخشى من عواقب تحطيم حدودها.
والواقع أن الأحداث الأخيرة في هضبة الجولان واستهداف جرحى سوريين من قبل دروز عاد وأثار النقاش بشكل واسع حول ما ينبغي لإسرائيل انتهاجه. وقد رأى كتاب مثل يورام دوري في «معاريف» أن الحكومة الإسرائيلية تبرر عدم تدخلها لصالح الدروز في سوريا بتحالف الدروز هناك مع النظام السوري. وهو يشير إلى أن بعض ما أثار الأزمة هو كثرة الأحاديث في إسرائيل عن «تحالف الدم» مع الدروز في ظل تزايد الأخطار على هذه الأقلية في سوريا.
ولكن كان ملحوظا أن صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أكثرت من نشر التقارير والتحليلات السياسية التي تطالب الحكومة بتوخي الحذر عند التعامل مع سوريا عموما ومع الموضوع الدرزي فيها خصوصا. وكتب الجنرال الليكودي عوزي ديان في الصحيفة أن الدروز المخلصين مبدئيا للسلطة في كل واحدة من الدول الثلاث التي يعيشون فيها يشهدون تفكك السلطة السورية فيزداد إحساسهم بالخطر. ويشدد ديان على وجوب الحفاظ على الحلف مع الدروز خصوصا في زمن الخطر هذا ولذلك يجب مساعدتهم لأن هذه مصلحة قومية إسرائيلية. وفي نظره الدروز في سوريا ليسوا بحاجة لمن يقاتل عنهم وهم يستطيعون الدفاع عن أنفسهم إذا ما تلقوا المساعدة اللازمة. وهو يطالب إسرائيل باستمرار الإعلان عن أنها لن تسمح بالمساس بهم وتقديم المساعدات العسكرية والطبية لهم. ويشير دان مرغليت في «إسرائيل اليوم» إلى وجوب الحذر من الانجرار إلى القتال في سوريا ويفترض أن استمرار الأزمة وعدم إيجاد حل لها كفيل بأن يجر إسرائيل إلى الميدان بشكل محتوم.
(السفير)