بقلم غالب قنديل

خضة الشريط وأزمة المستقبل

romiyyi

غالب قنديل

تحول شريط رومية إلى مادة محورية في المشهد السياسي وقد جرت محاولة لحرف الأنظار عن الأبعاد الفعلية لارتدادات القضية عبر أخذ النقاش إلى هوية المسربين بدلا من فعل التعذيب والاعتداء على السجناء ويأتي ذلك بعدما دخلت صور سجن رومية والوقائع المرتبطة بها والروايات المتداولة بشأنها عالم الجدل السياسي اللبناني منذ سنوات وبالذات من بوابة الموقوفين ذات الصلة بالجماعات المتطرفة والقاعدية بتفرعاتها بدءا من محاربي الضنية الذين استهدفوا الجيش اللبناني وصولا إلى عناصر فتح الإسلام الذين كشفت وثائق ويكيليكس أنه كان في عدادهم حوالي مئة سعودي سلم معظمهم للمملكة وانتهاءا بالجماعات الإرهابية التي شاركت في الحرب على سوريا انطلاقا من الأراضي اللبنانية وخططت ونفذت اعتداءات ضد الجيش اللبناني وقامت بجرائم تفجير في العديد من المناطق .

أولا منذ العام 2005 ومن غير احتساب ما سبق ذلك العام من سنوات ما بعد الطائف التي شهدت المراعاة والحماية السورية المستمرة لمصالح الحريرية الاقتصادية والسياسية ولحضورها ونفوذها في مختلف مؤسسات الدولة فقد عوملت قيادة الأمن الداخلي في جميع حكومات ما بعد الخروج السوري من لبنان على انها موقع نفوذ دائم ومستمر لتيار المستقبل وكان وزير العدل الحالي هو المدير العام المستمر لمعظم سنوات عهدي الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان وبالتالي كان المسؤول الأول عن كل ما يحسب لها او ما ينسب إليها او يحسب عليها وبغض النظر عن جميع التفاصيل الأخرى.

إن قضية الموقوفين الإسلاميين بذاتها هي مسؤولية تتشاركها جميع الحكومات وتيار المستقبل مارس النفاق السياسي مع عائلات الموقوفين لأنه لم يتحرك عمليا لإيجاد الحلول القانونية التي تنهي وضعية التوقيف بلا محاكمة حتى بعد تولي اللواء ريفي لوزارة العدل وترددت تقارير ومعلومات كثيرة عن وجود طلبات اميركية خلف تعرجات هذا الملف الذي كان يعني إبقاؤه دون حل تحوله إلى مادة لتأجيج المشاعر ولتمادي التحريض الطائفي ومحفزا لتوسع وانتشار التطرف وعقائد التكفير التي احتضن رموز التطرف في المستقبل محازبيها واستخدموهم في الحشد إلى سوريا منذ خمس سنوات ومعروف ما جنته طرابلس ومناطق الشمال والبقاع من ذلك التورط الذي ساهم فيه نواب ومسؤولون من المستقبل .

ثانيا الروايات عن سجن رومية كما تلقاها اللبنانيون على لسان مسؤولين وقادة من تيار المستقبل وتحالف 14 آذار تراوحت بين حدين متناقضين وكلاهما مشين فإلى جانب التعذيب الذي فضح مؤخرا وقيل عنه الكثير في السابق ثمة وقائع أشارت إلى وجود غرفة عمليات لقيادة الإرهاب من داخل السجن صرح بها المسؤولون ونشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما عرف بالإمارة التي قامت داخل السجن بكل مقوماتها اللوجستية والتقنية بتسهيلات وخدمات قدمها ضباط وعسكريون من قوى الأمن الداخلي ولم تتحدث نتائج التحقيقات عن الجهات التي وفرت التغطية السياسية لذلك الواقع الذي استمر لسنوات ودار الحديث عنه على لسان اكثر من وزير للداخلية دون جدوى إلى ان تولى الوزير نهاد المشنوق تفكيكه تحت سقف التوافق الذي أنشأته حكومة الرئيس تمام سلام وعدت مكافحة الإرهاب من بنوده الرئيسية التي حظيت بدعم أميركي وغربي عموما .

ما يؤكده شريط التعذيب والتنكيل هو وجود معضلة متمادية في مؤسسة أمنية رئيسية وطريقة تعاملها مع الموقوفين والمسجونين لديها وبغض النظر عن القضايا والأحكام فثمة سلوكيات تنافي أبسط القيم والأصول وتنتهك حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية وليس ما حصل خطأ عرضيا او تقنيا فغلاظة التعامل في السجون تعكس ثقافة متوحشة وسلطوية قهرية ولا عذر في قصر التحقيقات على العناصر المنفذة فالمطلوب كشف من أصدروا الأوامر واستخراج العبر التي تتطلب إعادة تأهيل شاملة لبعض اجهزة قوى الأمن قانونيا ومسلكيا وعلى الجميع التفكير في ان ملفات ترويج المخدرات في السجن نفسه التي تنظر حاليا امام المحكمة العسكرية وملابسات غرفة عمليات التكفيريين والتسهيلات السخية التي قدمت لهم تشكل جميعها قضية واحدة ومترابطة وغير بعيد عن شريط التعذيب فهي ثلاثة تعبيرات عن خرق شامل للقوانين في قلب مؤسسة مسؤولة عن تطبيقها.

ثانيا لم يكن الشغب الذي شهدته مناطق لبنانية عديدة ورفعت فيه أعلام داعش والنصرة هبة عفوية فثمة من حشد وقام بالتعبئة للتوظيف السياسي بدلا من المعالجة الاحتوائية التي شهدنا فصولها مع زيارة وزير العدل إلى وزير الداخلية نظيره وشريكه المفترض وهو ما كان ممكنا قبل استخدام مخاوف عائلات الموقوفين وهمروجة المطالبة باستقالة المشنوق امام بعض المساجد .

ما ظهر من المشهد هو تعبير عن انفصامية تيار المستقبل وعن وجود اتجاهين في هيكيليته التنظيمة تصبح المساكنة بينهما أشد صعوبة وهو ما أظهرته سابقا أزمة النائب خالد الضاهر التي أعقبت تفكيك ميليشيات طرابلس وعكار وتدابير وزير الداخلية لإنهاء البؤر المسلحة والأكيد أنه كلما اشتدت حدة المعركة ضد عصابات التكفير الإرهابية في المنطقة والعالم ستصبح المعضلة أشد استعصاء وستجد قيادة المستقبل نفسها مطالبة بحسم خياراتها .

الكتلة المستقبلية المتداخلة عضويا وبنيويا مع الجماعات المتطرفة منذ سنوات تنذر بتجويف فروع عديدة للتيار وبتأجيج نزاعات وانشقاقات حزبية فهل نشهد خروج رموز ونواب جدد بعد الضاهر وعلى طريقه ؟ أم يتمكن متطرفو المستقبل من حسم الصراع برجحان كفة التعنت السعودي المتزايد باحتضان جماعات القاعدة ورديفاتها وبتصميم المملكة على مواصلة حروبها بهذه الوسيلة في كل مكان ؟ الأكيد ان الخضة الأخيرة هي من تكاليف انفصام المستقبل التي يسددها البلد وهي جولة على طريق لا يبدو قصيرا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى