العَلَم البديل والإرهاب: ازدواجية المعايير الأميركية عامر نعيم الياس
أثار العَلَم المرفوع على سارية مبنى ولاية مقاطعة كارولينا الجنوبية مشاعر السود القاطنين في الولاية، وحتى بعض البيض المدافعين عن الدولة الأميركية بشكلها الحالي، بعد المذبحة التي ارتكبها ديلان روف في كنيسة شارلستون للسود، والتي أدّت إلى مقتل تسعة أشخاص، في جريمة هي الأعنف في الولايات المتحدة بعد سلسلة من حوادث القتل المنفردة التي استهدفت سوداً أميركييين.
الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد اعترف أن «المجتمع الأميركي لم يبرأ بعد من العنصرية»، ودعا في خضمّ الجدل حول عَلَم الكونفدرالية المرفوع وسط ولاية كارولينا الجنوبية لإرساله إلى «المتحف»، لا رفعه إلى جانب العلم الأميركي الحالي. وهو ما دفع النشطاء في الولاية الأميركية إلى رفع عريضة حازت على توقيع 400 ألف مواطن أميركي حتى اللحظة لنزع العلم عن المباني الحكومية في كارولينا الجنوبية. لكن ما هو عَلَم الكونفدرالية الذي رفعه ديلان روف مرتكب مذبحة كنيسة شارلستون؟
يرمز العَلَم إلى تاريخ الفصل العنصري في الولايت المتحدة الأميركية، وقد استخدم خلال الحرب الأهلية الأميركية 1861-1865 من قبل معسكر الرقيق في الجنوب، إذ يرمز بنجومه العشر إلى الولايات التي تؤيد استمرار الرقّ والعبودية في الولايات المتحدة. وينقسم المجتمع الأميركي اليوم حول هذه القضية إلى قسمين: الأول من المحافظين المؤمنين بقضية تفوق البيض التي ترى في العلم جزءاً من التاريخ الأميركي وبالتالي لا ضير من بقائه. أما القسم الثاني فيرى فيه رمزاً من رموز الفصل العنصري، وهو ما يبدو توجّهاً يؤيده الرئيس الأميركي المحاصَر بهبة عنصرية هي الأعنف من نوعها في الولايات المتحدة منذ عقود. وهنا تجدر الملاحظة إلى أن التوجه لدى الإدارة الأميركية الحالية يقوم على أساس عدم شرعية وجود علم بديل عن العلم الرسمي سواء بالنسبة إلى الدوائر الرسمية في جنوب البلاد، أو إلى القواعد الشعبية. وهو ما يعكس ازدواجية المعايير الأميركية ممّا يجري في منطقتنا تحت غطاء ما يسمى «الربيع العربي»، إذ ترفع رايات بديلة عن العَلَم الرسمي أولاً، وتعكس توجهاً طائفياً وعنصرياً وقومياً ثانياً، باعتبارها جزءاً من تاريخ المنطقة وهو ما يتعارض مع مفهوم الدولة الوطنية والدستور الذي يشرّع علماً واحداً ملزماً لجميع المواطنين القاطنين ضمن حدود الدولة الإدارية.
على المقلب الآخر، يلاحظ في قضية كنيسة شارلستون للسود، ومرتكب المذبحة ديلان روف، تحاشي وسائل الإعلام الأميركية وصف مرتكب المذبحة «بالإرهابي» مع أنه ارتكب أربعة أنواع من الجرائم في جريمة واحدة. الأولى القتل، والثانية القتل الجماعي إذ استهدف عشرات السود المصلّين في كنيسة، والثالثة القتل على خلفية عنصرية، أما الرابعة والأهم، فتتمثل في استهداف المدنيين بدوافع وأهداف سياسية. وهي أمور تنفي أولاً ظاهرة الذئاب المستوحدة، وثانياً تصنّف ما جرى تحت مسمى عملٍ إرهابي بحت. وبالتالي من الواضح أن النخب الأميركية هنا على كافة انتماءاتها تحاول حصر صفة الإرهاب بفريقين: الأول من يخرج عن إطار سياساتها، والثاني الدول والمنظمات التي ترفع راية العمل المقاوِم للصلف والإمبريالية الأميركيين.
علم الكونفدرالية ممنوع في الولايات المتحدة أو بالحد الأدنى ليس مقدّساً. بينما العلم السوري القديم رمز للثورة في سورية، وأعلام الطوائف دليل على التعدّدية وحق من حقوق المشاركة، فيما الإرهاب صفةٌ لمنطقتنا وكل من يعارض واشنطن، هكذا يريد الأميركي ولا يحق لأحد الاعتراض على الديمقراطية والإنسانية على الطريقة الأميركية.
(البناء)