تحرير تل أبيض من «داعش»: رسالة إضافية من الغرب إلى أردوغان حميدي العبدالله
نجحت قوات الحماية الشعبية بالتنسيق مع الضربات الجوية الأميركية المركزة في تحرير مدينة تل أبيض التي سيطرت عليها «داعش» قبل سيطرتها على مدينة الرقة. ولم تستغرق الحرب إلا ساعات قليلة، وتشبه معركة تحرير تل أبيض معركة تحرير تكريت، بمعنى ما أن تمّ اتخاذ القرار باقتحام المدينتين حتى تهاوت «داعش»، ولم تتمكن من خوض معارك تتناسب مع الضجة التي أحاطت بسيطرتها على الكثير من المناطق في سورية والعراق. الانهيارات السريعة لـ«داعش» أمام الزحف الشعبي في تكريت، وأمام قوات الحماية الشعبية في سورية يعني واحداً من أمرين، الأمر الأول، أنّ مقاتلي «داعش» ليسوا بالقوة والإقدام الذي يتحدّث عنه الكثيرون، وبالتالي هم مجرّد مرتزقة، ما إنْ تحصل مواجهة جدية معهم حتى يفرّون من المواجهة، ويخلون عوائلهم إلى مناطق آمنة، الأمر الثاني، أنّ «داعش»، أو على الأقلّ أطراف فاعلة فيها، تذعن لإملاءات الحكومات الغربية، عندما تقرّر هذه الحكومات أنّ هذه المنطقة أو تلك جزء من الخطوط الحمر التي يتوجب أن لا يتواجد فيها تنظيم «داعش».
وبمعزل عن أيّ من الأمرين هو الذي يفسّر السقوط السريع واندحار «داعش» أولاً من تكريت، وثانياً من تل أبيض، فإنّ هذا التطوّر الهامّ لا يمكن فصله عن المخطط الغربي العام الذي يشكل قوام الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. فمن المعروف أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين في سورية على المدى القريب، لكي تنجح استراتيجيتها المصمّمة للساحة السورية:
الهدف الأول، إيجاد منطقة داخل سورية تسيطر عليها جماعات تتعاون وتنسّق مع الولايات المتحدة حصراً، ويمكن الاعتماد عليها إنْ لجهة إرسال السلاح، أو المعونات الأخرى، وأن لا تكون لها ارتباطات مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تضمّ في صفوفها عناصر مصنّفة من قبل الولايات المتحدة بأنها إرهابية، وهذه المواصفات تنطبق حصراً على وحدات الحماية الكردية أكثر من أيّ جهة سورية معارضة، في ضوء صراعات الائتلاف، وغياب أيّ تواجد ميداني له، وفي ضوء تصفية «جبهة النصرة» لـ«حركة ثوار سورية»، و«حركة حزم» التي كانت تعوّل عليها الولايات المتحدة.
اليوم يراود الولايات المتحدة أمل بإمكانية السيطرة على شريط مواز للحدود التركية يمتدّ من القامشلي حتى عين العرب، وربما لاحقاً إلى عفرين من خلال تمكين وحدات الحماية من السيطرة على هذا الشريط بوصفها حليفاً قادراً وفاعلاً على الأرض ويمكن الوثوق به على عكس التنظيمات الإسلامية الأخرى المتطرفة.
الهدف الثاني، خلق منطقة عازلة تحدّ أيضاً من قدرة حكومة حزب العدالة والتنمية على التحرك وفقاً لاستراتيجية تركية خاصة لا ترضى عنها الولايات المتحدة، وبالتالي وضع أنقرة أمام خيار من اثنين، إما الانضباط بالاستراتيجية الأميركية في سورية، وتقديم كلّ أشكال الدعم للجماعات المسلحة من خلال هذه الاستراتيجية، وإما فقدان القدرة موضوعياً على إيصال الدعم لجماعات ترتبط بتركيا أكثر من ارتباطها بالولايات المتحدة. وبالتالي فإنّ دحر «داعش» من تل أبيض هو رسالة إضافية بعد نتائج الانتخابات تهدف إلى تدجين حكومة حزب العدالة والتنمية، وإعادته إلى بيت الطاعة الأميركي، ولعلّ هذا هو الذي يفسّر ردّ فعل أردوغان على سيطرة وحدات الحماية الكردية على تل أبيض.
(البناء)