أي حكومة لتركيا؟ محمد نورالدين
طوت الانتخابات التركية صفحة تفرد الحزب الواحد بالسلطة. خسارة حزب العدالة والتنمية الاغلبية المطلقة، وتراجع عدد نوابه 70 نائباً، أعادت خلط الأوراق جذرياً في الساحة السياسية، وأدخلت البلاد في مرحلة جديدة من التوازنات والاحتمالات والمخاطر.
الأنظار تتجه الآن إلى مسألة تشكيل الحكومة، هل تكون بقيادة حزب العدالة والتنمية، مع أحد الأحزاب في المعارضة، أم تكون للمعارضة مجتمعة كلمتها في تشكيل حكومة، تستبعد منها حزب العدالة والتنمية، وتبقيه خارج السلطة؟
بعد أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات النتائج بصورة رسمية، المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، هو أحمد داود أوغلو، كونه رئيس الحزب الأكبر في البرلمان. وسينال مهلة يحددها الدستور بخمسة وأربعين يوماً، ليعلن تشكيل الحكومة. وفي حال فشله، فإن الأعراف تقتضي من رئيس الجمهورية أن يكلف رئيس الحزب الثاني،أي حزب الشعب الجمهوري، بزعامة كمال كيليتشدار أوغلو، محاولة تشكيل الحكومة، وإلا فإن أمام الرئيس صلاحية الدعوة لانتخابات مبكرة.
تداعيات نتائج الانتخابات بدأت تظهر على مختلف القوى السياسية.
أولاً: بدأت ملامح التصدّع في جبهة حزب العدالة والتنمية. أردوغان تلقى هزيمة كبيرة، لتفرد حزب العدالة والتنمية بالسلطة، بل قبل ذلك لأحلامه في اقامة نظام رئاسي- سلطاني. وأردوغان بدأ يجري حساباته على أساس مستقبله السياسي زعيماً يريد أن يتجنب كأس الالتزام بصلاحياته الرئاسية المحدودة، التي تحول دون أن يكون لاعباً مركزياً في الحياة السياسية.
من هذه الزاوية فإن أردوغان لايزال يأمل بإعادة إنتاج سلطة حزب العدالة والتنمية، وبالتالي إعادة تعويم فكرة النظام الرئاسي. وذلك يكون وفقاً لرأيه ألا تتشكل حكومة ائتلافية، مع حزب العدالة والتنمية أو من دونه، بل الذهاب بعد ال 45 يوماً، ومن دون تكليف الحزب الثاني تشكيل الحكومة، إلى انتخابات نيابية مبكرة يعتقد أنها ستعيد إليه بعض الأصوات التي خسرها، فيعود الحزب ليحصل على الأقل على الأغلبية المطلقة. غير أن دوائر الرئيس ترى العكس، وبأن الحزب في انتخابات مبكرة، سيشهد مزيداً من التراجع، ليصل إلى 35 في المئة.
أما أوساط رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو، فترى أن الانتخابات المبكرة ستشكل خطراً على داود أوغلو الذي سيكون عليه، قبل ذلك، عقد مؤتمر عام للحزب، حيث قد يكون رأسه تحت المقصلة، وتحميله مسؤولية الهزيمة. لذلك يفضل داود أوغلو تشكيل حكومة ائتلافية من حزبه، مع أحد أحزاب المعارضة، وربما في رأسها حزب الحركة القومية.
أما بالنسبة للمعارضة، فحتى الآن ليس من قرار نهائي بعدم التحالف في حكومة واحدة مع حزب العدالة والتنمية. وحده حزب الشعوب الديمقراطي الكردي أعلن أنه لا تحالف مع حزب العدالة والتنمية.
الوضع بالنسبة للمعارضة حرج جداً. لا حكومة واحدة تجمع الأكراد والحركة القومية، وبالتالي فإن مجال المناورات واسع جداً. هناك اتجاه يقول إن على المعارضة ألا تفوت فرصة النتائج لتشكيل حكومة تستبعد حزب العدالة والتنمية، وبالتالي تطهير الدولة من كل التخريبات التي ألحقتها سلطة أردوغان بالدولة، منذ 13 سنة، ولا سيّما في القضاء، وفتح ملفات الفساد والسياسة الخارجية. ويرى هذا التوجه أن أي حزب يشارك حزب العدالة والتنمية في الحكومة، يعني أنه خان ما كان يعلنه، وسوف يعاقبه الناخب في أول انتخابات مقبلة.
وهنا يبقى دور أردوغان مركزياً في أي شكل للحكومة الجديدة، إلا إذا توافقت المعارضة كلها على تشكيل الحكومة. إذ إن أردوغان لن يقبل بأن يوافق داود أوغلو على أي حكومة تريد فتح ملفات الفساد وتقييده في صلاحياته الدستورية.سيبقى أردوغان يخوض المعارك، ليبقى هو صاحب القرار دستورياً أو بحكم الأمر الواقع. حتى لو تتطلب الأمر مجازفات تعوّد عليها تضع البلاد على شفير الهاوية. فالضربة التي تلقاها في الانتخابات جعلته يصاب بهستيريا، خصوصاً أن أحداً من زعماء المعارضة لا يقبل أن يزور القصر الجديد الذي بناه، حيث يقيم. حتى لقاؤه مع أكبر أعضاء البرلمان سناً، وهو دينيز بايكال من قياديي حزب الشعب الجمهوري، تمّ في مقرّ الضيافة التابع لوزارة الخارجية.
وإذا أضفنا العامل الخارجي، ولا سيّما موقف واشنطن من الحكومة المقبلة، فإن كل الاحتمالات واردة، مع خاصية أن تركيا السابقة انتهت، وأن تركيا جديدة تُرى في الأفق بمعزل عن ملامحها العامة.
(الخليج)