مقالات مختارة

رسائل “جنيف اليمني” للعرب د. ليلى نقولا الرحباني

 

مع الإعلان عن “انعقاد مؤتمر جنيف اليمني”، عاشت السعودية وحلفاؤها تخبّطاً وإحراجاً عبر السماح ثم الرفض، ثم السماح بعد ضغوط دولية، للوفد الممثل للقوى السياسية اليمنية بالسفر عبر طائرة الأمم المتحدة إلى جنيف، ويعكس هذا التخبّط وما فعلته القاهرة بعدم السماح لطائرة الوفد اليمني بالتزوّد بالوقود، الرغبة الحقيقية للسعودية بعدم انعقاد المؤتمر، وعدم الرغبة في التوصّل إلى أي حل سلمي أو إلى مجرد إطار عام لتفاهم مشترك بين اليمنيين .

وفي سيناريو مكرّر لمؤتمر “جنيف 2” السوري، يختلف الأطراف اليمنيون على أجندة المؤتمر، وعلى جدول أعماله، بينما يئنّ اليمنيون – كما السوريون – تحت ضغط القصف والدماء والحديد والنار.

وفي مشهد يذكّر بـ”الائتلاف السوري” الذي حاول الأميركيون تكريسه “ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري”، والذي أصرّ أعضاؤه، بدعم من السعودية وقطر وتركيا، على عدم الدخول في أي حوار إلا بعد البحث أولاً في مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، يصرّ وفد الرياض اليمني على أن تقتصر المحادثات على مناقشة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216، الذي يدعو الحوثيين إلى الانسحاب من المدن اليمنية الرئيسية، والاعتراف بسلطة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المقيم في الرياض، وهو أمر معروف سلفاً أنه لن يتم القبول به مطلقاً. وفي الضفة المقابلة، وبينما حاول الوفد الحكومي المفاوض في “جنيف 2” السوري البحث في “مكافحة الإرهاب”، يحاول الوفد اليمني اليوم الممثل لكافة الأطرف السياسية اليمنية أن يبحث في هدنة رمضانية للتخفيف عن كاهل الشعب اليمني، وإيقاف الآلة العسكرية، أقلّه في هذا الشهر الفضيل.

وهكذا، ومن خلال المشهد اليمني المتفجّر في جنيف، يمكن لنا أن نحاول رسم معالم السياسة السعودية الخارجية في المنطقة على أبواب توقيع التفاهم النووي مع إيران نهاية الشهر الحالي، وفيها:

1-   لا تبدو السعودية في هذا الوقت بالذات مستعدة لأي حلول سلمية تنهي الأزمات المتفجرة في جميع أرجاء المنطقة، إذ تعتبر المملكة أن الحلول والتفاهمات في أي جبهة ستؤدي إلى إراحة إيران وحلفائها، وتفرّغهم للقتال على جبهات أخرى، لذا ستعمد إلى الاستمرار في تفجير كل الساحات، ومحاولة استنزاف الطرف المقابل، مهما كان الثمن.

2-   بالرغم من التصريحات التي أعلنتها المملكة بأن أمنها القومي مهدَّد من الإرهاب كأي دولة أخرى، لكن على ما يبدو لا ينتاب السعودية أي قلق من أن الحروب التي تقوم بها، سواء مباشرة كاليمن أو بالوكالة في الساحات الأخرى، ستؤدي إلى ازدياد قوة الإرهابيين، وأي إضعاف للجبهة المقابلة سيكون لصالح “القاعدة”، ويؤشر إلى هذا الأمر، اليقين من أن الطلب من الحوثيين الانسحاب من المناطق اليمنية سيؤدي إلى تمدد “القاعدة” فيها، بالإضافة إلى وجود أمين عام حزب “الرشاد” السلفي عبد الوهاب الحميقاني، الذي أدرجت الولايات المتحدة اسمه على قائمة داعمي الإرهاب في شبه الجزيرة العربية، كأحد المفاوضين الذين تمّ اختيارهم من قبل الرئيس هادي.

3-   بالرغم من الضرر الاقتصادي الذي سيلحق بها، لن تتوانى السعودية عن إغراق الأسواق العالمية بالنفط، لتعطّل على إيران إمكانية الاستفادة من أسعار النفط والغاز المرتفعة، والتي تعطيها فائضاً مالياً تستخدمه في دعم حلفائها في المنطقة.

وهكذا، ومع ابتعاد أي إمكانية للحل اليمني في جنيف، يمكن إسقاط السيناريو اليمني على المشهد العربي بأكمله، وهو مشهد يذكّرنا بما قاله المبعوث الأممي السابق؛ جمال بن عمر، والذي كان قد أعلن في ملاحظاته أن اليمنيين كانوا قد توصّلوا إلى اتفاق، وأن التدخل السعودي العسكري هو من عطّل الحل السياسي في اليمن، وهذا يعني أن مشهد جنيف اليمني سينسحب على كافة المناطق، والرسائل الواضحة تفيد بأن الحلول ممنوعة في المنطقة في هذه الفترة، وأن المعركة طويلة ومعقّدة ومتشعبة، ومن يصمد ينتصر، والرهان على من يصرخ أولاً، ومن هنا يمكن فهم الاستراتيجية الجديدة التي يقوم بها النظام السوري وحلفاؤه: تجميع الطاقات وتوفيرها تمهيداً لمعركة طويلة، ومنع الاستنزاف، والصمود بانتظار تغيّرات دولية أو داخلية في داخل كل من تركيا والسعودية لقلب المعادلات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى