أسباب روسية سعودية لخفض إنتاج النفط.. وتبعات العقوبات الغربية أحمد حاج علي
موسكو
بعد قرار “أوبك +” خفض إنتاج النفط، فلا يمكن القول للأوروبيين سوى ما كان يقوله العرب قديماً: “على أهلها جنت براقش!”.
“رويترز”: مجموعة “أوبك+” توافق على خفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يومياً
نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر في فيينا، تأكيدها أنّ مجموعة “أوبك+” وافقت اليوم، على خفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يومياً. أما الأسباب المباشرة التي دعت روسيا والمملكة العربية السعودية، لتكونا المبادرتين لاتخاذ هذا القرار فهي التالية:
1- العقوبات المتوالية المفروضة على روسيا ومحدودية اتجاهات أسواقها، فضلاً عن الحسومات التي تقدمها روسيا للدول المستوردة بصورة مباشرة.
2- التضخم المرئي والمستتر في العالم أجمع، والذي أثر في الأسواق العالمية وخصوصاً الأوروبية، التي كانت أبرز مستورد تقليدي للنفط الخام الروسي.
3- من حيث المنظور التقني يعدُّ النفط السعودي البديل الأمثل للنفط الروسي. ولا سيما أنّ غالبية المصافي الأوروبية ومعامل التكرير تعمل بالنفط الخام الثقيل، لذلك يمكن تقنياً استبداله بالنفط السعودي وهو الأقرب من حيث المواصفات. هذا أحد أبرز الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تضغط على شركائها الخليجيين لزيادة الإنتاج، الأمر الذي تجاهلته السعودية لإضراره بمصالحها الاقتصادية.
4- من ناحية ثانية هناك دول متضررة من قرار خفض الإنتاج، وأبرزها العراق ونيجيريا. إذ إنّ الدولتين تحتاجان إلى إنتاج أعلى للحصول على السيولة النقدية. غير أنّ تأثيرهما السياسي المباشر في مصير تقلبات السوق تبقى محدودة مقارنةً بالسعودية وروسيا.
يُذكر أنّ العالم لم يشهد هذا الركود الحالي منذ الحقبة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية، وكان سبباً رئيساً لاندلاعها. والولايات المتحدة تتخذ موقف المتفرج بانتظار تحقق الهجرة الصناعية والمالية والاقتصادية العكسية من الدول الأوروبية والآسيوية إلى الولايات المتحدة الأميركية وخصوصاً للمصانع والتكنولوجيات الألمانية.
ومن المفارقة أنّ قرار العقوبات الغربية، وتحديد سقف لسعر النفط الروسي، كانا يهدفان من ناحية لإرغام موسكو على زيادة الإنتاج لتوفير الكتلة النقدية، التي تحتاج إليها، ولبيع النفط بأسعار تلامس أسعار كلفة الإنتاج، ما كان سيؤدي لتضرر كُبريات شركات النفط الروسية، فتضطر إلى وقف بعض خطوط ومصادر إنتاجها. في حين أنّ خطوة خفض الإنتاج، التي بادرت إليها روسيا على نحو مشترك مع السعودية تصب في مصلحة الدولتين، وتضغط في عكس اتجاه خفض الأسعار وتحديد سقوف لها، الذي تريده الولايات المتحدة.
بيد أننا نستنتج أنّ الدول الثلاث المستفيدة الأكثر من متغيرات السوق هي الولايات المتحدة، بنفطها الصخري العالي التكلفة، وروسيا، وكذلك السعودية، التي تحتاج إلى إبقاء الأسعار فوق 80 دولاراً للبرميل، وذلك لتجنب التضخم الداخلي وسد العجز في ميزانيتها!
وللإضاءة أكثر على هذا الموضوع نتوقف عند المحطات التالية:
للمرة الأولى منذ اندلاع أزمة كورونا، اجتمعت دول “أوبك +” على نحو مباشر، وعلى رأس جدول أعمالها مقترح خفض حصص الإنتاج خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر. وكانت روسيا والسعودية، المبادرتين إلى اتخاذ قرار الخفض، الذي سيكون أكبر خفض للإنتاج منذ ربيع سنة 2020، الذي بلغ 9.7 مليون برميل يومياً على خلفية انهيار الطلب على النفط بسبب انتشار وباء كورونا.
يجب القول، إنّ أزمة النفط مرتبطة بارتفاع أسعار الغاز، التي حلقت بنسبة 250% خلال شهر آب/أغسطس الماضي. آنذاك توصل ممثلوا الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي تُفرض بموجبه عقوبات جديدة على روسيا.
وبحسب ما أعلنته الرئاسة التشيكية لمجلس الاتحاد الأوروبي، فإنّ تلك العقوبات تأتي رداً على خطوة انضمام جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي زابوروجيا وخيرسون إلى الاتحاد الروسي. وشملت هذه العقوبات حظر بيع النفط الروسي، عبر الوسائط البحرية إلى دول ثالثة بأسعار تتجاوز سقف حددته تلك العقوبات، وحظر القرار تقديم خدمات تقنية لمنظومات النقل.
كما وسعت الحزمة الثامنة من العقوبات حظر استيراد البضائع من روسيا، لتشمل منتجات الصلب وصناعات الأخشاب والورق والآليات والأجهزة والمنتجات الكيميائية والبلاستيكية وغيرها، فضلاً عن استهداف تكنولوجيا المعلومات والخدمات الهندسية والقانونية للمؤسسات الروسية وتصدير التكنولوجيات إلى روسيا. (يعني تريدون أن يزودكم الروس بنفط رخيص بينما ترفعون أنتم كلفة إنتاجه واستيراده لكل ما يحتاجه).
وبينما تدعي المفوضية الأوروبية أنّ قراراتها تهدف لخفض الأرباح الروسية ولدعم استقرار أسواق الطاقة، بحسب رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، فقد أكد نائب وزير الخارجية الروسية ألكسندر غروشكو، الأربعاء الماضي، أنّ قرار تحديد سقف لسعر بيع النفط الروسي سيؤدي فقط لمزيد من زعزعة استقرار سوق الطاقة العالمي، وزيادة التقلبات وسيؤثر على نحو مباشر في المستهلكين.
وأشار غروشكو إلى أنّ العقوبات تُلحق الضرر بدول الاتحاد الأوروبي نفسها. وأضاف أنّ العقوبات موجهة ضد روسيا، لكن تأثيرها الحقيقي يقع على دول أخرى بما فيها دول الاتحاد الأوروبي.
هذا وجاء قرار العقوبات الأوروبية بعد تبني وزراء المالية، ورؤساء البنوك المركزية لدول مجموعة السبع بالإجماع وضع سقف أقصى لأسعار النفط الروسي، وبعد قرار وزارة الخزانة الأميركية في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، فرض عقوبات على الشركات العالمية التي تشتري النفط الروسي بسعر أعلى من سقف حددته هي.
أي إنّ دول الاتحاد الأوروبي اتخذت قرارها لتجنب العقوبات الأميركية! (والابتزاز الأميركي المتزايد للدول الأوروبية). ووفقاً لتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السابقة، فإنّ روسيا لن تبيع أو تورد أي منتجات إلى الخارج، إن كان الأمر يتعارض مع مصالحها الخاصة. أي إنّ سعر السوق يحدده العرض والطلب وقال: “إذا لم ترغبوا بشراء النفط الروسي فهذا شأنكم، فروسيا لن تبيعه بأقل من سعره تحت أي ضغوط”.
أما بعد قرار “أوبك +” خفض إنتاج النفط، فلا يمكن القول للأوروبيين سوى ما كان يقوله العرب قديماً: “على أهلها جنت براقش!”.