لماذا تراجعت «الحماسة» لتسليح الجيش؟ ابراهيم ناصرالدين
الحوار مع تيار المستقبل بات بالنسبة الى حزب الله مجرد «فلكلور» على الطريقة اللبنانية، فبعد اكثر من جلسة حوارية ثبت بالوقائع ما كان مجرد «نظريات» بان «التيار الازرق» يشارك في تلك الجلسات لان السعودية تريد ذلك، والولايات المتحدة لا تمانع جلوس الطرفين على «طاولة واحدة» في «الوقت الضائع» الى ان تنضج الظروف ويلتحق لبنان بركب الازمات او التسويات المفتوحة في المنطقة، ليبنى حينها على الشيء مقتضاه، بعد ان تنقشع صورة المشهد العام وموازين القوى الجديدة المفترض ان تحدد معالم المرحلة المقبلة.
لكن «المستقبل» كما يقول الاخوة المصريين «شربوا المقلب»، ونجح حزب الله في تحويل «فخ» المراوحة الى فرصة لتغيير الوقائع فيما علق «التيار الازرق» في «شرنقة» الانتظار وحده وهو يراقب شريكه في الحوار يتصرف على هواه ميدانيا ويحشره سياسيا في الداخل بينما لم تتغير «تعليمة» الرعاة الاقليميين والدوليين للالتزام بقواعد «الاشتباك» الحالية وتقليل الخسائر «والصمود» والرهان على الوقت. لكن ما الذي دفع حزب الله الى الاستعجال في التحرك والمبادرة الى «الهجوم» من «بوابة» الحرب على التكفيريين في الجرود، وكذلك رفع مستوى الضغط السياسي من «نافذة» دعم تصعيد رئيس تكتل الاصلاح والتغيير الجنرال ميشال عون؟
اوساط بارزة في 8 آذار، تلفت الى ان «ريبة» حزب الله بدأت مع تراجع اندفاعة السعودية لتسليح الجيش «وتنقيط» الغرب لهذه المساعدات بما يدفع الى الاعتقاد بان ثمة «قطبة مخفية» وراء التراجع «خطوة» الى الوراء، مع العلم ان السعوديين كانوا يعولون على بناء وتجهيز جيش قوي كمقدمة للاستغناء عن سلاح «الميليشيات»، اي نزع الشرعية الوطنية عن سلاح المقاومة، لكن فجاة بدأت الامور تتعثر، وتسييل الهبات تتراجع، وعاد الحديث في الكواليس عن دور الجيش وعلاقته الوطيدة بالمقاومة، وعن الضمانات بعدم وصول هذه الاسلحة الى حزب الله في المستقبل، وغيرها من الحجج الواهية التي ادت الى نتيجة واحدة هي عدم جهوزية الجيش لخوض معركة شاملة ومفتوحة مع خطر الارهاب التكفيري على الحدود وفي الداخل.
اضعاف المؤسسة العسكرية وتأخير جهوزيتها طرح الكثير من علامات الاستفهام مع تعاظم المخاطر في المحيط، وهذا شكل مؤشرا على نوايا «خبيثة» لتحضير الساحة اللبنانية للانضمام الى الساحات الاخرى تقول الاوساط حيث كان الشرارة الاولى للانهيار تفكيك الجيوش واغراق المنطقة في الفوضى، وثمة اربعة نماذج واضحة المعالم في هذا السياق، ليبيا، اليمن، العراق، وسوريا، في المقابل لم تسمح الولايات المتحدة وحلفائها بانهيار البشمركة الكردية، وامنت «مظلة» حماية للجيشين الاردني والمصري، اي ثمة انتقائية مثيرة للقلق ولا تقبل «ترف» الانتظار. فكانت انطلاقة معركة الحسم في القلمون، والبدء بمواجهة تصاعدية في الداخل «لمحاصرة» تيار المستقبل وخياراته خصوصا بعد انقلابه المفاجىء على الاتفاق مع عون على التعيينات الامنية.
هذا الاستباق للاحداث ترجم على الارض من قبل المقاومة بتغيير موازين القوى على الحدود الشرقية خوفا من مخططات لم تكتمل تفاصيلها بعد، لكنها تثير القلق، فمن يدير الجماعات التكفيرية يحاول رسم الوقائع الجغرافية على الارض في المنطقة من خلال تمدد تلك المجموعات سواء حملت عنوان «جيش الفتح» او «جبهة النصرة» او تنظيم «داعش»، فانطلق حزب الله لرسم معالم الجغرافيا على الحدود اللبنانية في مواجهة مفتوحة مع التحالف الدولي الذي يرسم مناطق نفوذ تلك المجموعات في العراق وسوريا وحتى في ليبيا حيث سيطر «داعش»بطريقة مريبة على جزء كبير من المنطقة الوسطى في البلاد، مستغلا خوض الجيش نزاعا مع الميليشيات المسلحة المحسوبة على «حركة الاخوان المسلمين». فاذا سمح له بالتمدد هناك فما الذي يمنع من تغطية تمدده الى ساحل الابيض المتوسط عبر لبنان؟
لا شيء تجيب الاوساط، فهذا التنظيم يعتمد التوسع الاستراتيجي للهروب من ازدياد الضغط عليه في العراق، واذا كانت المعلومات تشير الى انه يسعى الى استغلال حالة الفوضى في ليبيا باعتبارها بوابة استراتيجية يمكن الهروب إليها في حال انهيار دولته في الرقة والموصل، لتأمين الاتصال بالداخل الإفريقي عبر تشاد والسودان، والوصول إلى مصر، فلا يمكن التعامي عن خطره على الحدود حيث يشكل لبنان «الجائزة الكبرى» للتنظيم لما له من موقع جغرافي يتجاوز اهمية ليبيا في الوقت الراهن كونه يشكل امتدادا جغرافيا مع «الخلافة الاسلامية» في العراق والشام، ويمكن للغرب لعب «الورقة» اللبنانية لابتزاز محور المقاومة.
هذه المخاطر تقاطعت ايضا، مع محاولات اغراء للاردن بالتوسع شرقا باتجاه العراق وشمالا باتجاه جنوب سوريا، لحماية سنة الانبار ودروز السويداء، وفي هذا الاقتراح دعوة صريحة لتعديل جغرافي لحدود المملكة الهاشمية بما يؤدي الى انهيارها، والملك الاردني يحاول مقاومة الضغوط على بلاده كي لا تقع في هذا المستنقع الذي سيمحو الاردن عن الخريطة على حساب دويلة جديدة غير محددة الهوية او الحدود، وهذا ما دفع الاردنيين الى الانغماس في عملية برنامج «تسليح» العشائر في الأنبار العراقية وفي درعا السورية، وهو مشروع وضع حيز التنفيذ بواجهة أردنية وبدعم وتمويل من أطراف عربية وموافقة الولايات المتحدة.
ويعد تبني هذا المشروع من قبل عمان باعتباره حلقة أساسية من منظومة الدفاع الردعية للجيش والأمن الأردني، اسقاطا لمعادلة اردنية كانت تتحدث عن ضرورة الابقاء على اللبنة الاساسية للجيشين العراقي والسوري كونهما الاقدر على تأمين الاستقرار في المرحلة المقبلة، لكن تخلي المملكة عن هذه «النظرية» يعني بحسب الاوساط ان ثمة تحولات جديدة تعزز المخاوف حيال ما يرسم من حدود جديدة في المنطقة من خلال دعم قوات حماية الشعب الكردي على الحدود مع تركيا، ومحاولة استمالة دروز السويداء، وخلق مناطق نفوذ لقوى مسلحة فوق خريطة المنطقة على حساب الجيوش النظامية، وهو مشروع يجري العمل عليه بعيدا عن الاضواء مع جهات عربية ودولية ممولة وداعمة لعملية تسليح وتأهيل العشائر السنية في العراق وسوريا، تحت عنوان تعزيز منظومة الأمن الدفاعي في المنطقة، وقد تسارعت الخطى خلال الاسابيع الثلاثة الماضية بعيدا عن الاضواء لتشكيل اول منظومة قتالية عشائرية في درعا، وفشلت حتى الان هذه المنظومة مع الدروز في حوران، لكن المخاطر غير بعيدة عن حدود شبعا اللبنانية.
امام هذه التحديات، وفي ظل الخوف من ادخال لبنان في اتون الفوضى الدموية في المنطقة، اتخذت قيادة المقاومة قرارها في «وأد» هذا المشروع في مهده عبر ضرب ادواته على الحدود الشرقية، تزامنا شهدت الاسابيع الماضية رفع لمستوى التنسيق العملاني مع الجيش في منطقة العمليات العسكرية في السلسلة الشرقية، وفي الداخل، وجاء هجوم «داعش» على جرود رأس بعلبك، ليعزز القناعة بوجود هكذا سيناريو، لان المقصود من الهجوم كان كسر دفاعات الجيش والعبور من خلالها الى القاع ورأس بعلبك والتمدد الى مساحات اكثر عمقا لتأمين بيئة حاضنة يؤدي القتال فيها الى حالة من الانقسام داخل الجيش كمقدمة حتمية لانهياره وتغيير المشهد العام في لبنان عبر اغراق المقاومة في حروب داخلية، لكن تصدي الحزب للهجوم غير الوقائع. واذا كانت قيادات «المستقبل» تسخر من نظرية المؤامرة هذه فلماذا لا تملك اجابات واضحة حول تأخير تسليح الجيش؟ ولماذا «تكبل» يديه لمواجهة الارهابيين في عرسال؟ طبعا لم يحصل حزب الله على اجابة على اسئلته على طاولة الحوار، لكن مجريات الاحداث تشير الى انه لم يكن ينتظر الحصول على اجابات اصلا…
(الديار)