هوامش على يوميّات القضيّة ثريا عاصي
التسليم بأن الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في سوريا كانت قبل انفجار الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ خمس سنوات، تراوح مكانها. بل قل أن عطلاً أصاب الدولة، أو بالأحرى البوصلة. فإذا السياسة خبط عشواء. كل يغني على ليلاه. يتعايش في قمة هرم السلطة الوطنيون المخلصون والإنتهازيون الوصوليون واللصوص والعملاء. التسليم بهذا كله، ليس دلالة على أن ما تشهده سوريا هي سيرورة ثورية تعبر عن نفاذ صبر الجماهير الشعبية تجاه العجز والتسويف في القضايا الوطنية والقومية وفي كفاح الفساد والإنحراف والإستهتار.
من البديهي أنه لو كنا حيال ثورة حقيقة لما تحمس لها آل سعود وآل ثاني والعثمانيون الجدد، ولما ادعت الحكومة الإشتراكية الفرنسية أحقية في الوصاية على السوريين، كون سوريا كانت سابقاً، مستعمرة فرنسية. هذا طبعاً إمتثالا لأمر السيد الأميركي وتحت رعايته.
أكتفي بهذا الإستطراد، فما أنا بصدده في الواقع هو مقاربة الإنعكاسات المحتملة على القضية الفلسطينية، في حال حققت هذه الثورة الهجينة الفاجرة، المدعومة سعودياً وعثمانيا وفرنسيا وأميركيا، الغاية التي انطلقت أو التي أطلقت من أجلها!
إستوقفني خبر يفيد بأن المخابرات الفلسطينية استطاعت بطلب من السيد محمود عباس، التسلل إلى الأراضي السورية، عبر الحدود الأردنية، بمساعدة نظيرتها الأردنية، والوصول إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة جبهة النصرة، لا يتضمن الخبر المذكور معلومات جغرافية عن المسافة التي قطعها الفلسطينيون في داخل الأراضي السورية. أما الإنجاز المخابراتي الفلسطيني الكبير فهو الإتصال بجبهة النصرة وإقتناع هذه الأخيرة بأن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى إطلاق سراح رهينتين سويديين لدى الجبهة، كرد جميل للسويد على إعترافها بالدولة الفلسطينية! هذا ما حدث! فحوى القول أنه حصل تجاوب بين السلطة الفلسطينية من جهة وبين الحكومة الأردنية وجبهة النصرة من جهة ثانية! كأن تجاوب جبهة النصرة مع الحكومة الأردنية، ومع المستعمرين الإسرائيليين لم يكن حاصلاً من قبل!
يرتجع هذا أمامي خطاباً ألقاه السيد يوسف القرضاوي طالب فيه الولايات المتحدة الأميركية «بوقفة رجولة» والتدخل في سوريا عسكرياً مثلما فعلت في ليبيا وعليها أن لا تخشى أن يتحول «الثوار» في سوريا إلى قتال المستعمرين الإسرائيليين.
خرجت مصر، ثم العراق من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. لو أردنا أن نعين على خريطة المنطقة مواقع المقاومة المحتملة بالقوة المتبقية، ضد المشروع الإستعماري الإسرائيلي لوضعنا علامات تشير إلى أن القضية الفلسطينية ما تزال حاضرة بشكل أو بآخر في سوريا ولبنان وقطاع غزة، ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين. من سيتذكر القضية الفلسطينية إذا استجابت الولايات المتحدة الأميركية لرغبات فقهاء و«مفكري الثورة» في «قيادة أركان الثورات» في قطر، من أمثال القرضاوي والفلسطيني – الإسرائيلي عزمي بشارة وضعت يدها على سوريا كما فعلت في العراق ! من سيمنع عندئذ المستعمرين الإسرائيليين من دخول لبنان، ومحاصرة حزب الله وتحويل الجنوب اللبناني إلى «قطاع غزة» ثان؟ السلطة الوطنية اللبنانية؟
في أغلب الأحيان يرتكب المستعمرون جريمة ينتج عنها وضع يستحيل الرجوع عنه. ثم يعترفون بالخطيئة ويعتذرون. ولأنهم الأقوى، فإن الضعفاء يصفحون عنهم خوفاً من العقاب. يمحون الجريمة من ذاكرتهم أو يتناسون. يتظاهرون بعد ذلك بأنهم أحرار لا أذلاء، إختاروا بإرادتهم أن يضعوا يدهم بيد المستعمر العنصري السفاح والسياف، رغم أنهم يعلمون علم اليقين أن الأخير سيقتل ويدمر. على من تقرأ مزاميرك يا داوود!
(الديار)