نحو لقاء وطني يرشّح فرنجية ويدير معركة انتخابه
غالب قنديل
بات الاستحقاق الرئاسي قاب قوسين، وفي ظلّ زحمة أولويات تشغل الدوائر القيادية أولها حالة الانهيار وملف النفط والغاز، الأمر الذي يعطي أهمية استثنائية لمنع الفراغ في هياكل الدولة، ويحتّم التفاهم العاجل الذي يتيح انتخاب رئيس جديد وتدشين عملية تنشيط هياكل الدولة والمؤسسات.
جميع القوى الحية مجمعة على إلحاح انطلاق المعالجات اللازمة للخروج من حلقة الكارثة المهلكة، ليس مطلوبا ولا ممكنا أو مقبولا تأخير أيّ خطوة متاحة وناجعة وتعليقها على أي حدث، لكن لا شكّ أنه بعد إنجاز الاستحقاق وعبوره بنجاح أن البلاد ستكون أمام فرصة لتنشيط الحياة السياسية وإحياء مفاصل الدولة وإحياء المؤسسات المتهالكة والمشلولة. ويعلم اللبنانيون أن العهد الرئاسيّ الجديد لا يحمل حلولا سحرية بذاته، لكنّه يجدّد مفاصل الدولة وهياكل مؤسساتها التنفيذية وفق عرف التداول السياسي للسلطة وتقاليد جمهوريتنا.
قد يقال الكثير في انتقاد العهد الرئاسي المنقضي وتحميله مسؤوليات متشعّبة في الدوامة الطاغية على البلد، لكن يقتضي الإنصاف كما النزاهة أن يُحفظ للرئيس ميشال عون حزمه الوطني ونهجه الملتزم بالوحدة الوطنية وبمفاهيم السيادة والاستقلال بعيدا عن أي ارتهان أو تفريط بالحقوق والكرامة. وقد كان أمينا من هذا الموقع السياديّ بعمق لحفظ التفاهم والتناغم مع المقاومة وقائدها.
وبفضل حرص الرئيس ومرونته وحكمته أمكن، تحت سقف التفاهم، بناء موالفة وطنية راعية للعهد، رغم الكثير من الثغرات ووجوه الخلل والاختلافات السياسية، التي أُبقيت تحت السيطرة مضبوطة ومقنّنة، وشكّلت المقاومة وحزبها قوة الموالفة والتفاهم بين المتنافرين داخل الفريق الوطني بما يضمن جَبه التحديات وعبور المنعطفات وتخطّي المطبّات.
مما لاشك فيه أن تعديلات دستورية قلّصت ما عرفته الرئاسة الأولى وميزها من صلاحيات كانت مطلقة قبل الطائف، ولكن، لرئيس الدولة مكانة وصلاحية تنفيذية دستورية تطبع الولاية الرئاسية بطابعه الشخصي. ومن هنا يتّسم الاستحقاق بأهمية قصوى، ويشغل مكانة بارزة على جداول الأولويات الوطنية والإقليمية والدولية المهتمة. وبالمقابل يمثّل استكمال البنود الإصلاحية، وأولها الانتقال الى نظام المجلسين، شرطا ضروريا لتطوير النظام والمؤسسات.
هذا البعد الدستوري والوطني يكتسب المزيد من الأهمية في الزمن الحاضر، وبعد ما مثّلته المقاومة من وزن معنوي وقيمة مضافة. ولأن الرئاسة الجديدة، هي فرصة لمراجعة وتعديل السياسات والخيارات السارية والمتّبعة. فقد انصبّ الرهان الخارجي والداخلي دائما على فرص التعديل والمراجعة بل والانقلاب مع كلّ رئيس منتخب.
الرهان يراود عادة جهات محلية وخارجية تبعا للأحجام والأدوار وقدرات التأثير في التوازن السياسي اللبناني وخيارات القيادات والكتل المقررة، ولا يشذّ الظرف الحاضر عن سواه في ظلّ تحول لبنان الى نقطة جاذبة للاهتمام الإقليمي والدولي.
ذلك الاهتمام يتركّز على لبنان فحسب، لأنه بلد المقاومة، وهو بالتالي منصبّ على استشراف موقف وموقع حزب الله اللاعب الإقليمي البارز والفاعل، الذي يُكسِب وطنه قيمة ووزنا مضافين ومهابة كبيرة. ويتضح من المتداول والشائع أن الجهات الأجنبية شرعت تضع البند الرئاسي على الطاولة تخطيطا وحركة، بينما تضع في حسابها، ورغم المناعة الظاهرة والساطعة، التي تحكم بفشل أيّ رهان انقلابي واستحالته، فإن التدخلات تتوخى إيجاد مؤثرات ومنافذ تدخّل أو تسرّب يمكن بها التسلّل الى قلب المعادلات والتوازنات.
الاستحقاق الذي تُقرِّر وجهته وحصيلته سمة الواقع اللبناني لست سنوات مقبلة بات على الأبواب، وكلّ المراصد متجهة الى استشراف خيار حزب الله الرئاسي. ونقترح فعليا على قيادة الحزب إطلاق مشاورات وطنية تحت رعاية سماحة السيد وبإشرافه للتفاهم على تبنّي ترشيح الوزير سليمان فرنجية، ووضع أسس المعركة وتفاصيلها ولبنات تفاهمات، تُظهّر صورة العهد الرئاسي الجديد، الذي نتوقع أن يحمل بشائر انفراج وازدهار مع تثبيت معادلات القوة والمناعة وتطويرها.