العرضان الروسي والإيراني والإهمال العامد
غالب قنديل
أزمة الكهرباء هي من أخطر وجوه الكارثة الشاملة، التي تتّصف بها الدوامة اللبنانية بشتّى انزلاقاتها وأهوالها ومضاعفاتها، ويعوّل المسؤولون بتجاهلهم وتمسحتهم على وجود مسارب وبدائل مؤقتة، يأتلف معها الناس ويدمنون عليها.
باتت شبكة المولدات قاعدة مادية لمصالح ولدورة مال متعرّجة ليست بعيدة عن سائر الجهات النافذة ومصالحها الموزّعة على المناطق اللبنانية عبر قنوات وشبكات الخدمات الموازية والرديفة، التي تمتدّ وتتشعّب باستثمار الهياكل والشبكات والبنى العامة، التي أقامتها الدولة.
لفت انتباهنا مضمون العرضين الروسي والإيراني المهملين والمتروكين، رغم إلحاح الدولتين الصديقتين على أنهما باقيان على الطاولة بانتظار تجاوب السلطات اللبنانية للانتقال فورا الى التنفيذ من غير تحميل لبنان أية أعباء. ونستهجن الإهمال غير البريء، الذي يقارب خيانة وطنية، ترتكبها حكوماتنا غير الرشيدة ولا النجيبة اللاهثة خلف أقفية الغرب، الذي يدير ظهره، بل يرفع منسوب الضغوط لدفع لبنان الى مزيد من التدهور والخراب.
مجدّدا إنه عقل الوكلاء والسماسرة الصغار، بكلّ خسّته ولصوصيته، يعترض طريق التوجّه شرقا بادعاءات فارغة وسخيفة وبحجج ساقطة، بينما تقوم في روسيا والصين وايران أعظم محطات التوليد الكهربائية بطاقة ضخمة وشبكات نقل عملاقة. وهذه الدول الثلاث بلغت قدرا من التطوّر والتقدّم التقني والصناعي، يشهد به العالم ويعترف له.
روسيا وإيران بالذات من بين سائر الدول قدمتا العروض السخية للبنان كرمى المقاومة، التي هي علامتنا الفارقة وميزتنا في نظر الحلفاء والأصدقاء. ولبنان الرسمي، الذي يساير المقاومة وإيران وروسيا نفاقا، يهمل تلك العروض الجدية، ويلهث دونيا خلف البدائل الأميركية الغربية بقوة ارتهان تاريخيّ مزمن.
إنها خسّة السمسرة المتأصّلة، والرهان على لحس الأصابع من أيّ عقد أو صفقة، بينما العروض الشرقية معدومة فيها فرص اللحس والقبض، بل قد تستحيل أيّ هفوة الى فضيحة مبرمة لا يُقفل حسابها ولا يُغسل عارها بسهولة.
نسجت الدول الغربية ورسّخت تقاليد العمولات في التعامل مع الدول، وكرستها لتوسّع دوائر شبكاتها وعملائها المرتبطين بمصالح تجارية ومالية على حساب بلدانهم وشعوبهم ودولهم. وفي كل صفقة معدّات أو تجهيزات يتحرّك سماسرة من بطانة السلطات المحلية، يتصيدون العروض والعمولات لقاء تأمين الخدمات للشركات الأجنبية المصدِّرة على حساب المصالح الوطنية، وعبر التلاعب بالنوعية والمواصفات، لتيسير الصفقات والعمولات في تواطؤ خسيس على نهب خيرات الشعوب.
إن السلوك اللبناني، هو فضيحة كاملة المواصفات كريهة الروائح، ولا يشرّف المتورطين والصامتين سواء بسواء. نقترح على المقاومة وحزبها العظيم وسيدها الشريف الحكيم مبادرة عاجلة لمشورة وطنية، تشمل الحلفاء والأصدقاء من شركاء الخيار، لتنظيم تحرّك عاجل في هذا الملف، وإعطائه الأولوية القصوى على سواه. ولتُفرز المواقف والخيارات أمام الناس أصحاب المصلحة في قضية ليست حكرا على منطقة أو طائفة، ولها صفة جمع وطنية وجماهيرية. ولتُكشف للرأي العام هوية الألغام والخروقات وشبكات العملاء والوكلاء والسماسرة، التي منعت عن اللبنانيين أهمَّ خدمة عامة في هذا العصر، وعطّلت فرصا بتكاليف قليلة ومردود مرتفع، ترافقه فرص واسعة ومجزية لشراكات مستقبلية.
