واشنطن تسأل عن «حزب الله»: لبنان خارج نطاق الزلزال نبيل هيثم
«بدل أن يوضح الصورة، جعلها أكثر ضبابية»!
بهذه الكلمات يلخص سياسي لبناني وقائع لقاء جمعه بمسؤول أميركي غير مدني، زار لبنان في الآونة الاخيرة، وعقد سلسلة لقاءات مغلقة مع مستويات سياسية ورسمية مختلفة.
عن لبنان، لا مكان للاستحقاق الرئاسي في الأجندة الأميركية، بل لا وجود حتى لمجرد إشارة الى إمكان إتمامه في المدى المنظور أو حتى في المدى البعيد. بل إنه عندما يُسأل عن هذا الاستحقاق، يستحضر المسؤول المذكور المقولة الأميركية: «على اللبنانيين أن يتفقوا في ما بينهم ويختاروا رئيسهم».
ثم يُتبع ذلك بكلام مطمئن: «بلدكم خارج نطاق الزلزال الذي يضرب المنطقة.. وواشنطن توليه اهتماماً جدياً، وهي حريصة أكثر من أي وقت مضى على أمنه واستقراره، وعلى أن يبقى بمنأى عن ارتدادات الزلزال».
لم يدخل المسؤول الأميركي في التفصيل أكثر، لكن ما أظهره من كلام عاطفي عن لبنان ـ والكلام للسياسي اللبناني ـ «أشعرني بأن بلدنا يشكل حديقة خلفية للولايات المتحدة». قالها المسؤول الأميركي صراحة «لا نريد خسارة لبنان»، مضيفاً «ولذلك، سنمضي في دعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، ونمدّها بما يمكنها من حماية لبنان ومواجهة الإرهاب».
كلامه ترك انطباعاً، يضيف السياسي اللبناني، أن خسارتهم لبنان، لا تخلط أوراق المنطقة فحسب، بل تفتحها على مجهول ومخاطر. «وما لفت انتباهي أنه سأل اكثر من خمس مرات عن حزب الله. سأل عن عدد قتلى الحزب، وعن المزاج الشعبي حياله، وما إذا كان قد تأثر سلباً أم إيجاباً نحوه، ربطاً بمشاركته بالحرب في سوريا، وموقفه من الحرب السعودية على اليمن.. وصولاً الى المعركة التي يخوضها في القلمون وتلويحه بالحرب في جرود عرسال».
ثم أتبع أسئلته بما مفاده أن الخطر الأكبر بالنسبة الى الأميركيين هو أن يسقط لبنان في يد «حزب الله»، ولذلك هم يتجنبون استفزاز الحزب، هم يستعرضون كل السيناريوهات، وأخطرها أن يبادر «حزب الله» في لحظة معيّنة الى قلب الطاولة اللبنانية وكسر المعادلات الداخلية القائمة والتي تأتي حكماً على حساب حلفاء واشنطن في لبنان، وبالتالي يرسم معادلة جديدة لها امتدادها في المنطقة.
في الموضوع السوري، تجنّب المسؤول الأميركي الإجابة على التساؤلات التي أثيرت حول مستقبل سوريا، وما اذا كانت الحرب فيها تنحو بها الى التقسيم، خاصة أن الوقائع الميدانية تبدو وكأنها ترسم الحدود الجغرافية للكيانات التي يمكن أن تنشأ. إدلب وجسر الشغور وتدمر وغيرها، وكذلك القنيطرة، دمشق، الزبداني، القلمون، حمص، حماه وصولاً الى الساحل السوري… إلا أنه قارب الوضع في سوريا من زاويتين:
– الأولى، دور الولايات المتحدة في تدريب المعارضة «المعتدلة» وتسليحها، وكذلك توسيع نطاق هذا التدريب ليشمل دولاً مجاورة لسوريا مثل الأردن وتركيا، وثمة اتفاق قد تم التوصل إليه مع تلك الدول، علماً أن التدريب قد بدأ منذ مدة، أي قبل الاتفاق المذكور.
– الثانية، الرصد الأميركي المباشر للوقائع السورية وانتظار المتغيّرات التي قد تطرأ عليها. هنا سعى المسؤول الأميركي كي يبدي لمحدثه أنه واثق مما يقول: «الحرب مفتوحة وطويلة، ولا أرى حلولاً في المدى المنظور، ولذلك قد تمتدّ الحرب لسنوات إضافية، فلا المجموعات المعارضة قادرة أن تحسم الوضع لمصلحتها برغم أنها تحقق إنجازات في الميدان العسكري ضد بشار الأسد، ولا النظام السوري قادر أن يحسم، ولكن مهما طال زمن الحرب فلن يكون هناك حل عسكري وسيذهبون في نهاية المطاف الى جنيف».
لكن، سرعان ما استدرك المسؤول الأميركي وقال: «استنتجنا من الحرب في سوريا أنها تبقى دائماً خاضعة للمفاجآت التي يمكن أن تقلب المعادلات في أي اتجاه، نحن نراقب الأمور عن كثب، وعلى وجه الخصوص نراقب حزب الله في القلمون، وفي كل المناطق السورية التي يتواجد فيها الى جانب النظام، وتبيّن لنا أنه تسلح جيّداً، ومدرب جيّداً، ويملك قدرة وقوة قتالية قد تفوق، أو قد لا تكون متوفرة لدى جيوش نظامية كبيرة، ويجب ألا ننسى أنه كانت له اليد الطولى في حماية نظام الأسد ومنع سقوطه».
كان اللافت للانتباه في كلام المسؤول المذكور مروره السريع على «داعش» كعنوان عام وكطرف يقاتل ويحقق إنجازات ميدانية في سوريا والعراق، ولكنه سُئل: اين الحرب العالمية التي قالت الولايات المتحدة إنها تقودها ضد هذا التنظيم وماذا حققت حتى الآن؟ لماذا توقفت هذه الحرب؟ هل كان هدف الحرب إنهاء «داعش» أم إنعاشه؟ كيف يمكن لتنظيم يُقصف من فوق، أن يتمدد من تحت على الارض؟ كيف يمكن لتنظيم أن يصمد أمام أكبر وأقوى قوى عظمى في العالم؟ من أين يأتيه السلاح، من يبيع نفطه؟
أمام كل هذه الأسئلة وغيرها لم يعلق المسؤول الأميركي بل اكتفى بالصمت.
هنا يقول السياسي اللبناني «في هذا السكوت، لم أجد صعوبة في قراءة الموقف الأميركي الحقيقي. في البداية تحمّست، وظننت كغيري أن الخلاص من داعش صار قاب قوسين، لأنه لن يصمد أمام التحالف الدولي. ولمتُ مَن شكك في أهداف التحالف من البداية. سمعت المسؤول الأميركي يقول إن منطقتنا متفجّرة، وإن عمر داعش طويل. هنا تذكّرت الكلام الأميركي الذي رافق بداية هجمات التحالف. حينما قال اوباما نفسه إن الحرب على داعش تتطلّب ثلاث سنوات، وها هم اليوم يبشروننا بخمس سنوات وربما أكثر.. أنا في الحقيقة ألوم نفسي، فقد كان عليّ أن أحلّ اللغز من البداية، خاصة أن الجواب جاء على لسان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون: نحن صنعنا داعش»!
انتقل المسؤول الأميركي إلى طرح اسئلة:
– سأل عن اليمن، فأيّد وجهة النظر التي سمعها وحرفيتها: «اليمن كناية عن حفرة، سبق أن سقطت فيها مصر في الماضي، وكذلك السعودية، وها هي السعودية تسقط فيها مرة ثانية. ليس لدى اليمني ما يخسره أصلاً، وقدره أن يقاتل حتى النهاية. حتى في الحرب التي تقودها السعودية على اليمن تحت عنوان «عاصفة الحزم»، لم تحقق المراد منها، ولم تخسّر اليمني ما أُريد له أن يخسره في تلك الحرب. دُمِّرت اليمن، لكنها أصلاً، وعلى مر التاريخ، مدمرة وفقيرة، لا بل مُعدَمة. انتهى بنك الأهداف السعودي، لم ينته الحوثيون، لم يعد عبد ربه منصور هادي، ولا حكومته، وتحوّلت الحرب الى مكابرة فقط من باب تحقيق إنجاز او مكتسبات ولو شكلية تحفّظ ماء الوجه السعودي. السعودية لا تستطيع أن تقول إنها أخفقت في الحرب، ولذلك هي تطيل أمد تلك الحرب فقط لكي تؤخر إعلان اليمنيين انتصارهم!».
عقَّب المسؤول الأميركي بالقول «في النهاية، سيذهبون جميعاً إلى جنيف، والحل النهائي ليس عسكرياً بل حل سياسي وعبر الحوار المباشر، ووزير الخارجية (جون كيري) يقوم بجهود في هذا الاتجاه، ويتواصل باستمرار مع الإيرانيين».
– سأل عن «القوة العربية المشتركة»، وإمكانية تشكيلها، بدا واضحاً أنه لم يكن متفائلاً، بل استمع بتمعّن لما قيل له في هذا المجال بأن جهات لبنانية رسمية، أبلغت من يعنيهم الأمر، أن القول بإمكان تشكيل مثل هذه القوة بسهولة فيه الكثير من المبالغة، لأسباب كثيرة، ومنها أن لكل دولة عربية خصوصيتها، واعتباراتها، وتوازناتها، ومسألة حساسة من هذا النوع، قد يستحيل أن تعبر على الأقل في لبنان، الذي يخضع لتوازنات معقدة وهشة في آن معاً، ولا تحتمل أن تتعرض لأي مسّ، فضلاً عن أن الموافقة على مشاركة لبنان بهذه القوة تتطلب قراراً بالإجماع من قبل مجلس الوزراء وهذا ليس متوفراً، وبالتالي هذا القرار معطل سلفاً. لذلك، المطلوب في تشكيل هذه القوة مراعاة خصوصية واعتبارات وتوازنات كل دولة، وثانياً التيقن من أن هذه القوة لن تخضع لتجاذبات حول مَن سيقود تلك القوة، بين الدول العربية الكبرى ولا سيما السعودية ومصر.
– سأل عن الأتراك، ثم قال «عندهم انتخابات صعبة»، وأضاف «كان لهم الدور الفاعل في دعم المعارضة السورية»، ثم أكمل ساخراً «لقد أتعبونا في كوباني، يحبون الماضي كثيراً، هاجسهم بناء امبراطوريتهم العثمانية. يريدون أن يفرضوا أنفسهم قوة عظمى في المنطقة».
– أخيراً، سأل عن الاتفاق النووي بين ايران والـ «5+1». السؤال مفاجئ، ظنّ من تلقى السؤال أنه يستبطن نعياً للاتفاق، خاصة عندما ألح المسؤول الأميركي على أجوبة وقراءات لمسار المفاوضات الجارية حول هذا الموضوع. إلا أنه عاد وأجاب نفسه، وقال حرفياً: «الاتفاق النووي النهائي سيوقَّع.. وربماً قبل الموعد المقرر في 30 حزيران 2015».
قيل له: «هناك من يشوّش على الاتفاق، مثل الخليجيين، والدول العربية، إسرائيل، وفرنسا التي تراعي السعودية في هذا الأمر لربح صفقات وما إليها»، فقال ما حرفيته: «اطمئنوا.. الكل سيلحقون بنا في نهاية الأمر».
(السفير)