حزب الله من جرود عرسال الى السعودية: الامر لي ابراهيم ناصرالدين
لا يكون رئيس الحكومة تمام سلام في لقاء مع القيادة السعودية الا ويكون رئيس تيار المستقبل سعد الحريري «ثالثهما»، قد لا يكون رئيس الحكومة الاسبق بمثابة «الشيطان» لرئيس الوزراء، ولكنه بلا ادنى شك «الملاك» المزعج الذي لا يفوت مناسبة لتذكيره بانه «بدل» عن «ضائع»، وفي مهمة «شرفية» الى ان يأتي يوم التسلم والتسليم. لكن الانزعاج المضمر للرئيس سلام لا يقارن بحالة «الغضب» الكامنة لدى الحريري الذي لا يفوت حزب الله فرصة دون ان يفهمه انه لم يعد يستطيع التحكم بسياق الاحداث على الساحة اللبنانية لا هو، ولا رئيس «الظل»، ولا حتى المملكة العربية السعودية. ما هي «الرسالة»؟ وكيف فهمها رئيس التيار «الازرق»؟ ولماذا يشعر حزب الله انه بات اكثر قدرة على المبادرة؟
اوساط سياسية محسوبة على 8آذار، تشير الى ان توقيت زيارة الرئيس سلام الى السعودية تحمل اهمية استثنائية بفعل التجاذبات القائمة داخل الحكومة حول ملفي التعيينات وعرسال وجرودها، وهي تاتي قبل ساعات من جلسة قد تكون حاسمة لمعرفة الاتجاه الذي ستسير عليه الامور في البلاد في ضوء حسم قوى 14 اذار موقفها النهائي من هذين الملفين، وكما درجت العادة يستخدم تيار المستقبل «المظلة» السعودية لتزخيم موقفه الداخلي والاستقواء على خصومه، وهذه المرة ستكون القرارات المزمع اتخاذها في الحكومة «مغطاة» مباشرة من المملكة والمسألة لن تقبل اي تأويل. وكعادته في مثل هكذا مناسبات يعمل الرئيس الحريري على استخدام هذا الزخم السعودي اما «للتصلب» في المواقف او الذهاب الى تسويات يرافقها امتنان وشكر «وابتهالات» لمكرمات المملكة «والفكر الراجح» لدى قيادتها. ولكن ما الذي حصل؟
تقول الاوساط بدأ حزب الله عمليا السيطرة على جرود عرسال، موجها «رسالة» للرئيس الحريري مفادها، «ان كنت تنتظر ما سيقوله لك السعوديون فانتظر لوحدك، فهذا الامر لا يعنينا». طبعا الارباك في تصريحات وزير الدفاع سمير مقبل وانكاره، لن يغير شيئا من الوقائع على الارض، المقاومة وضعت «خارطة طريق» لتحرير كامل الجرود اللبنانية، هذا الامر لم يعد قابلا للتأويل، والاهم فيما حصل بالامس ان من يهمهم الامر لمسوا بالدليل القاطع ان توقيت العمليات مرتبط فقط باجندة وضعها «المجلس الجهادي» في المقاومة عقب حصوله على ضوء اخضر من القيادة السياسية، ولا معنى لاي تشاور يقوم به رئيس الحكومة ومعه رئيس الوزراء الاسبق في المملكة التي قطعت «شعرة معاوية» مع حزب الله واختارت الذهاب بعيدا في معاداته.
«ورسالة» الحزب المزدوجة للمملكة وحلفائها هي ان «المبادرة» ليست بين ايديكم في لبنان، المصلحة الوطنية لا يحددها «مزاج» امير او رغبة «شيخ»، عملية «جس النبض» الاولية في جرود عرسال قد بدأت ولا يحتاج استكمال المواجهة الى غطاء سياسي خارجي او داخلي، ومن يدعي حرصه على حكومة «الشراكة الوطنية» عليه العمل على حمايتها من خلال التعامل مع الاطراف الاخرى بصفتها شريك اساسي وليس مجرد «كومبارس» مهمته ملء فراغ دستوري تتحمل مسؤوليته المملكة التي تعيق حتى الان انتخاب رئيس مسيحي قوي للجمهورية، وتتجاهل الحد الادنى من حقوق رئيس اقوى تكتل مسيحي في البرلمان بتسمية قائد جيش جديد، والانكى من كل ذلك تعمل ليل نهار على حماية المجموعات التكفيرية في عرسال وجرودها.
ولكن لماذا يشعر الحزب بان «المبادرة» في يده في هذه المرحلة؟ الاسباب كثير براي او ساط ديبلوماسية في بيروت، ان المشهد العام البعيد عن التفاصيل الميدانية يفيد بان لا تسويات في الافق، ولا قدرة عند خصومه في المنطقة للحسم العسكري في سوريا على وجه الخصوص، فيما تعقيدات المشهد العراقي لا تشير الى انهيارات دراماتيكية، اي ما حصل خلال 4 سنوات ونيف من وصل الى حده الاقصى من السوء، ونجح الحزب مع حلفائه في رسم خطوط حمراء لا تستطيع الدول المتورطة بالنزاع تجاوزها. وحده حزب الله لديه الفرصة السانحة لحسم موقعة عسكرية محدودة في الجغرافيا، ولكنها على درجة كبيرة من الاهمية كونها ستخرج الحدود اللبنانية من «بازار» الابتزاز السياسي، كما ستزيح عن كاهله الكثير من الاعباء الامنية واللوجستية، والاهم ان «الحسم» يخوله ان يرفد جبهات القتال الاخرى بما لا يقل عن سبعة الاف مقاتل قادرين على تغيير موازين القوى «وقلب المعادلات». في المقابل فان سيطرة «التكفيريين» على المشهد العام في العراق وسوريا يسمح لخصوم محور المقاومة باستغلال مرحلي لهؤلاء لتحقيق مكاسب سياسية دون القدرة على الاستثمار طويلا بهؤلاء لاقامة مشاريع سلطة بديلة عن النظام في سوريا، او تكون شريكا للحكم القائم في العراق. والمسألة هي فقط مسألة وقت وما يقوم به حزب الله في هذه المرحلة هو «حماية» ساحته الداخلية انطلاقا من جرود عرسال، والحفاظ على مراكز القوة الحيوية في سوريا.
في المقابل تغرق السعودية يوما بعد يوم في «المستنقع» اليمني، فلم يعد مهما شكل التسوية السياسية المنتظرة والتي ستكون ايران شريكا اساسيا فيها، فالانجاز تحقق، ونفوذ طهران اصبح في جنوب الجزيرة العربية وهو يتكامل مع نفوذها في العراق على الحدود الشمالية، واستنساخ تجربة «حزب الله» في اليمن، باتت امرا واقعا.
اما ورطة السعودية الجدية تضيف الاوساط فتكمن في اشتعال «الحريق» في «طرف ثوبها» بعد تعرض الشيعة في المنطقة الشرقية لتفجيرين إرهابيين خلال أقل من أسبوع، وهذا مؤشر بدء اهتزاز الامن السعودي الداخلي بعد حملات امنية بدأت منذ التسعينيات، ادعت بعدها الرياض انها نجحت في تجفيف منابع «التكفيريين» داخل المملكة، الا ان السؤال المطروح الان كيف تمكّن الإرهابيون هذه المرة من تفادي عيون الأمن السعودي؟ سؤال سيبقى دون اجوبة، لكنه لا يحتمل ترف عدم الحصول عليها سريعا لان تفجيري القديح والدمام حصلا في المنطقة الشرقية، واستهدفا مواطنين شيعة تحديداً، وهذا يعني أن موجة التفجيرات الجديدة عنوانها الفتنة المذهبية التي عملت السعودية على تصديرها الى الخارج، وها هي تعود الى «احضانها» من جديد، وهي «كرة نار» لا يعرف احد اين ستستقر، وكيف ستتدحرج، والسؤال هل ستقتصر فقط على المنطقة الشرقية؟ في الماضي القريب استهدفت «الموجة الأولى» من الهجمات المنطقة الوسطى، ورجال الأمن والمؤسسات الأمنية. ومحاولات التفجير في المنطقة الشرقية اقتصرت على المنشآت النفطية، ومواقع الأميركيين اما اليوم فالاستهدافات خطيرة وبدأت المملكة دفع ثمن استراتيجية تصدير المقاتلين السنة الى سوريا والعراق، ويبدو ان مرحلة «الاستيراد» قد بدات، واستهداف الشيعة يؤشر بوضوح الى الهوية الطائفية لمواجهة لا تستطيع القيادة السعودية المتورطة بحرب على الحدود، حصر «نيرانها»، خصوصا ان الكثير من اجهزة الاستخبارات يستهويها الاستثمار في الحرب المذهبية في المنطقة ولا ضير لديها من «هز» الامن السعودي طالما انه يخدم مصالحها.
هذه التحديات يفترض ان تبدل اولويات السعودية المعنية بشكل اساسي بمنع انفجار صراع مذهبي «داخل البيت»، طبعا حزب الله لن ينتظر حدوث تحولات مماثلة، ولا يربط حراكه بانتهاء «المغامرة» السعودية، يعمل راهنا على «تنظيف» «البيت» «وحديقته»، يضغط على تيار المستقبل لدفعه نحو سياسة واقعية بعيدا عن الرهانات الخاطئة، وفي هذا السياق تأتي «رسالة» جرود عرسال، «والكرة» في «ملعب» «التيار الازرق» فهل يتلقفها؟
(الديار)