العصا والجزرة والنووي الإيراني: ابراهام بن تسفي
إن تصرف الرئيس الامريكي أوباما في حلبة الشرق الاوسط في الاشهر الاخيرة، وفي الاساس في الاسابيع الاخيرة، يثير الانطباع بأن التهديد الاساسي الذي يبدو من هذه الجبهة على قيم وثقافة والتراث الديمقراطي للولايات المتحدة، يكمن في وجود ووضع الحليف الإسرائيلي. في الوقت الذي يواصل فيه العالم العربي الخوف، يحرص البيت الابيض على البقاء في قالب العلاقات الخاصة بين واشنطن والقدس، في حين أن سياسته تتميز بالتناقض الداخلي: من جانب هو يحذر تقريبا كل يوم من تضاؤل القاسم المشترك المعياري، الايديولوجي والفكري الواقع في أساس التعاون الامريكي الإسرائيلي. ومن الجانب الآخر، اضافة إلى الانتقاد اللاذع الذي يوجهه الرئيس ضد إسرائيل بسبب انحرافها كما يبدو عن الطريق الامريكي للتعددية والتسامح، فهو يعطيها في هذه الايام رزمة كاملة من المحفزات السياسية والاستراتيجية.
قرار أوباما صد المبادرة المصرية لعقد مؤتمر دولي في موضوع نزع السلاح النووي من الشرق الاوسط (الذي عارضته إسرائيل بشدة)، واستعداده لتزويد إسرائيل بمنظومة سلاح متطورة (بما فيها صواريخ «هيلفاير» المضادة للمروحيات والقنابل الخارقة للتحصينات)، هما لبنتان مركزيتان لهذه السياسة الحامية والمدافعة. على خلفية هذا التناقض من الاستخدام في نفس الوقت للعصا والجزرة في المجال الامريكي الإسرائيلي، يثور السؤال أين هي وجهة الدبلوماسية الامريكية في نهاية عهد أوباما، وكيف يمكن تفسير الاشارات المتناقضة التي تصل الآن من واشنطن.
في المجال الأمني الصورة واضحة، حيث أنه لا يوجد شك بأن القرار لبيع إسرائيل وسائل قتالية متطورة، التي ستساعدها على التعامل بنجاح مع التحديات الاقليمية المحتملة (التي في مركزها إيران)، وفي نفس الوقت تُمكنها من الحفاظ على ميزان الردع في مواجهة أعدائها، هو خطوة لبناء الثقة وتهدف أولا وقبل كل شيء اعطاء القدس تعويضا مسبقا عن الاتفاق النووي الآخذ في التبلور مع طهران. على أمل أن يُقلل الامر من تصميم رئيس الحكومة نتنياهو مواصلة النضال ضد الاتفاق الذي يقف على الباب.
اذا كان الامر كذلك، واذا كان الهدف هو اقناع إسرائيل بالالتزام الشديد لواشنطن تجاه أمنها، فلماذا اختار الرئيس أن يرفق بهذه العملية سلسلة غير منتهية من الاتهامات والادانات تجاه الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في المنطقة كلها؟ الاجابة على هذا السؤال، التي تربط وتصل بين الجزرة والعصا، مرتبطة في الاساس بالسياق الإيراني وليس بحبل سري مع المجال القيمي بالتحديد. كما أن منظومة العلاقات الاثنية في بلاد العم سام لا تستطيع أن تكون مصدر الهام تجاه المجتمع الإسرائيلي.
عمليا، يمكننا التقدير بأن السياسي أوباما يُشخص الآن وجود فرصة لتوسيع هامش مناورته الداخلية أمام حكومة نتنياهو، عشية الحسم في الموضوع الإيراني. على خلفية امكانية أن جزرة التعويضات الموعودة (التي رمز اليها البيت الابيض مرارا وتكرارا)، لن تحقق هدفه ولن تضائل من قوة معارضة إسرائيل للاتفاق، قرر الرئيس 44 أن يضيف اليها بُعدا من القوة على شكل «مسلسل تعليمي». وعلى خلفية عمليات التضاؤل في مستوى الدعم لإسرائيل، التي اتضحت في السنوات الاخيرة في اوساط الجناح الليبرالي الامريكي، يسعى أوباما لتشجيع وتسريع هذه التوجهات على أمل تعميق الإضرار بقاعدة الدعم الجماهيرية لإسرائيل، وخصوصا في اوساط جيل الشباب الذين يؤيدون الحزب الديمقراطي. بهذا يسعى الرئيس إلى أن يكمل بنجاح المفاوضات مع إيران في الموضوع النووي (وربما ايضا المبادرة بعملية اخرى في الحلبة الفلسطينية)، دون أن يكون مُعرض لهجوم شديد وواسع من قبل مؤيدي إسرائيل في الرأي العام الامريكي والكونغرس، الذين يواصلون في هذه المرحلة معارضة الصفقة.
في الاشهر القريبة القادمة سيتضح ما اذا كانت هذه المقاربة ستنجح وتزيد الانقسام في اوساط معسكر مؤيدي إسرائيل في المجال الداخلي الامريكي. ما هو واضح حتى الآن هو أن الاستخدام المتكرر بصوت الادانة والانتقاد من شأنه أن يعكر أكثر العلاقات بين الشريكتين، وذلك رغم جزرة الاغراء والتعويض التي لم تعد وسيلة للتهدئة.
لما كان الواقع الاقتصادي في القطاع بشعا يصعب الحديث عن استقرار في حدود غزة
إسرائيل اليوم