باصان للشعبين:تسفي بارئيل
هزة أرضية خفيفة اصابت إسرائيل الاسبوع الماضي. أحد لم يقتل فيها، ولم يهدم أي بيت بسببها، باستثناء بعض المشاعر التي اهينت، وليس بشكل خطير. فما الذي حصل اجمالا؟ اتخذ قرار موضعي لمنع الاتصال الجسدي بين المسافرين الفلسطينيين والمستوطنين في خطوط الباصات التي تعمل في الضفة.
لن يلمس أي جسدا آخر. ولن تمتزج أي رائحة برائحة اخرى. كيف عرف وزير الدفاع ذلك؟ «بايلوت» (مشروع تجريبي).
وفجأة أثارت هذه التجربة، التي بالاجمال تمثل الواقع، عاصفة كبرى. فقد امتشق من الذاكرة على الفور التشبيه بالباص الشهير الذي سافرت فيه روزا باركس في اطار الكفاح من اجل حقوق السود في الولايات المتحدة، بالفصل الذي اتبعه النازيون في وسائل المواصلات في المانيا، أعلام «القيم اليهودية» التي ديست رفعت، التشبيه بنظام الابرتهايد اصبح محتما وبالاساس ذعر رئيس الوزراء من الاصبع الذي زقه في عين الرئيس الامريكي الاسود.
ولكن هذه كانت هزة أرضية مصطنعة انتهت قبل أن تتمكن مؤشرات ضبط الهزات برسم قوتها فالمشروع التجريبي سحب، وازيلت من نافذة العرض الإسرائيلية الدمية العارية التي مست بمشاعر المارة.
الديمقراطية الوحيدة في العالم واصلت السير على شاطيء البحر؛ ليس مثل اخوانهم السود، لم يخرج الفلسطينيون بجموعهم للتظاهر مطالبين بالمساواة في الحقوق؛ يهود الولايات المتحدة تنفسوا الصعداء والرئيس الامريكي اثنى على القيم اليهودية التي تربى عليها.
إذن على ماذا كان الانفعال؟ فالتمييز الفظ والوحشي هو من النصيب اليومي، ليس فقط لالاف العمال الفلسطينيين، بل نحو خمسة ملايين فلسطيني يعيشون منذ 48 سنة تحت الاحتلال. حواجز طرق تفصل بشكل دائم بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين. قوانين الاحتلال تفرض بشكل مختلف على الفئتين السكانيتين. تراخيص البناء، مصادرة الاراضي، وهدم البيوت ترسم منذ عشرات السنين خطوط فصل غليظة.
أين هم يهود الولايات المتحدة، الليبراليين وغير الليبراليين، في ضوء التمييز البنيوي هذا؟ إلى اين اختفى الرئيس الامريكي عندما يطلب الفلسطينيون ان يقيموا لانفسهم دولة مستقلة تضمن حقوقهم؟ لماذا الفصل في الباصات بالذات أثار هذا القدر الكثير من الضجيج؟
هذه ليست ازدواجية. أسوأ من ذلك. الرد الإسرائيلي والعالمي يدل على أن إسرائيل باتت تعتبر منذ زمن بعيد دولة ثنائية القومية ملزمة بان تتصرف وفق مقاييس كونية. ففي الدولة ثنائية القومية لا يمكن احتمال الفصل في الباصات، القانون يجب أن يكون متساوٍ للجميع. نافذة الفرص للعمل يجب أن تكون مفتوحة امام كل مواطن. ومحظور التمييز بين انسان وانسان بسبب عرقه، جنسه او رائحته. وهكذا، فان الباصات العامة ليست فقط وسائل نقل. فهي رمز لاحساس المساواة. احساس، وليس بالضرورة واقع. هكذا مثلا مسموح للرجال الاصوليين المس بحقوق نسائهم، ولكن محظور عليهم ان يطردوهن إلى خلفية الباص او ينزلوهن منه. مسموح رفض طلب عربي إسرائيلي السكن حيث يشاء او عدم قبوله للعمل بسبب أصله، ولكن محظور انزاله من الباص. مسموح احتلال العرب والتنكيل بحقوقهم كخاضعين للاحتلال، وحتى القانون الدولي يسمح بذلك ولكن محظور المس بالزعم الديمقراطي لدولة الاحتلال ومنعهم من السفر في باص المساواة.
ولكن الاحتلال ليس أبرتهايد. له أدوات معروفة خاصة به ومساواة الحقوق ليست واحدة منها. وبالذات من يصرخ صرخة الفلسطينيين مسافري الباصات يساهم في طمس هذا التمييز الهام.
من يرفع علم الابرتهايد يعتقد عمليا بانه اذا كان الاحتلال اكثر لطافة، اكثر نزاهة اذا كان بوسع الفلسطينيين ان يسافروا في الباص مع المستوطنين فانه سيختفي، أو على الاقل لن يشعر به احد. المشروع التجريبي الذي القي به إلى السلة لا ينبغي أن يتسبب باحساس الطهارة. فهو الامر الحقيقي، ومن الافضل استخدامه على نحو دائم.
هآرتس