الطالبانيّة! ثريا عاصي
ليس حظ السوريين في الراهن، أفضل من حظ العراقيين الذين غزا الأميركيون بلادهم في سنة 2003. أظن أيضا أنه لا يختلف كثيراً عما أصاب الأفغان جراء السياسة الأمبريالية الأميركية. لا شك في أننا حيال سيرورة تتمثل بمحاولة إرساء نظام معولم، تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية على رأس تحالف يضم دولا غربية تطمح إلى استعادة نفوذ لها في مستعمراتها القديمة، إلى جانب الأعوان والأتباع على شاكلة مشايخ الخليج الذين امتلأوا نفطاً وغازاً!
مجمل القول أن الولايات المتحدة الأميركية تشن حروباً في العراق وسوريا واليمن، وفي شمال أفريقيا بواسطة جيوش هي الأقوى والأكبر عدداً وعتاداً وإقتصاداً يرتكز على معظم مصادر الطاقة المعروفة في العالم بالإضافة إلى امتلاك كتلة نقدية يستحيل منافستها. إن الغاية من وراء هذه الحروب التي تدور رحاها تحت أسماء تستحق الإستهزاء وتثير الإشمئزاز، كمثل الثورة والديمقراطية، هو إحكام السيطرة، على البلاد التي سبق ذكرها، بما هي موقع استراتيجي ومصدر كبير للنفط والغاز!
إن «الثورات» المزورة التي تعصف في بعض البلدان العربية هي من الوسائل التي تستخدم في التمهيد للمشروع الأميركي. ذلك عن طريق تمزيق النسيج الإجتماعي، تدمير الإرث الثقافي المشترك، من ضمنه الديانات السماوية التي توالدت تاريخياً بعضها من بعض، في البلدان المذكورة، تسميم البيئة وتعقيمها لجعلها غير ملائمة للفكر والبحث عن الحلول للمسائل التي تعترض المجتمع.
بالإضافة إلى بحر الدماء وأكوام الركام، في كل بلد على حدة، توكلت هذه الثورات المزورة أيضاً بكسر العلاقات التي تربط تقليدياً بين البلدان العربية باسم التضامن والمصالح المشتركة. من المرجح في هذا السياق أن من فقرات مشروع الإضعاف أيضا فقرة توصي بمنع توظيف ريع النفط والغاز في التنمية الوطنية بالمعنى الشامل لهذا التعبير.
من البديهي أن تجزئة البلدان العربية على أساس ديني ومذهبي وعرقي، يلغي نهائياً مفهوم الوطن مقابل بعث العصبية القبلية، رغم أن هذه الأخيرة هي في الواقع ليست عظاماً رميماً. ما يجعل بالتالي مقاومة الناس في هذه البلدان ضعيفة في مواجهة المشاريع الإستعمارية، أي الإستيطان الأجنبي، ترحيل السكان الأصلانيين، تجميعهم، تيئي سهم، حتى يرموا بأنفسهم في البحر!
أغلب الظن أن الهدف الأقصى لـ«الثورات» التي يقودها آل سعود في بلد من البلدان هو خلق وضع طالباني، إذا جاز التعبير. بمعنى آخر أن الوضع الطالباني هو المرحلة التي تسبق الغزو الأمبريالي والتدمير النهائي لكينونة الإنسان. ما يفتح المجال ويعطي المبررات لجميع أشكال التصفيات الجماعية التي يقترفها الأميرياليون والمستعمرون في هذا الزمان.
تتمدد «داعش» في العراق وفي سورية، في ظل أجواء فاجعة. أسئلة كثيرة حول ما يجري في ميدان المواجهة على الأرض، وفي السماء حيث الطيران الحربي الأميركي، لا نملك إجابات عليها. من يدري قد؟ قد تهاجم «داعش» غدا، برجا أميركيا، أو تقوم بعمل ينتج عنه، بحسب الولايات المتحدة الأميركية خسائر مؤلمة لهذه الأخيرة. من يدري قد تنجح «داعش» في سرقة قنبلة ذرية من باكستان! على الولايات المتحدة الأميركية وأذنابها في أوروبا أن يتحملوا في هذه الحالة مسؤولياتهم في الحفاظ على الأمن الدولي، كما فعلوا في العراق وأفغانستان!
(الديار)