الملف النووي الإيراني: ما بعد مفاوضات مسقط حميدي العبدالله
لم تنته جولة مسقط بالوصول إلى اتفاق نهائي قبل الموعد المقرر في 24 تشرين الثاني الحالي، واستمرّ الخلاف، وإنْ لم يكن نوعياً، حول بعض المسائل الحساسة والدقيقة.
ويتوقع البعض أنه إذا لم يتمّ التوصل إلى اتفاق نهائي فإنّ العلاقة بين إيران و 5+1 ستعود إلى الصفر، وسيتأثر الوضع في المنطقة برمّتها جراء هذه الانتكاسة والعودة إلى الوراء بالمقارنة مع ما حققته المفاوضات في جولات سابقة. لكن هل هذا التقدير يمثل السيناريو الوحيد المتوقع في حال لم يتمّ التوصل إلى اتفاق نهائي مع حلول 24 الشهر الجاري؟
لا شك أنّ هناك سيناريوات كثيرة وبينها سيناريو التمديد وتجديد العمل بالاتفاق الانتقالي لفترة جديدة قد تكون ستة أشهر، وقد تكون أقلّ، وأيضاً هناك سيناريو أن تبقى الأمور على ما هي عليه الآن، وتستمرّ جولات التفاوض من دون الإعلان عن تجديد ثالث للاتفاق الانتقالي، ولكن يظلّ العمل بمضمون هذا الاتفاق طيلة مرحلة التفاوض طالما أنّ التفاوض يحقق المزيد من التقدم.
جميع السيناريوات مطروحة ولكن السيناريو الوحيد المستبعد هو العودة إلى نقطة الصفر، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً، من الصعب الحفاظ على وحدة الدول التي تمثل 5+1 في حال أرادت الولايات المتحدة العودة إلى نقطة الصفر، لأنّ روسيا والصين على الأقلّ، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن لم يقبلا ذلك، لا سيما في ظلّ تدهور العلاقات الأميركية- الروسية على خلفية الأزمة الأوكرانية والعقوبات التي فرضتها الحكومات الغربية على روسيا.
ثانياً، في حال العودة إلى الصفر هناك ثلاثة تحديات تواجه الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، التحدي الأول، المضيّ في فرض عقوبات جديدة وقاسية ضدّ إيران، وبديهي أنه من الصعب، بل من المستحيل تمرير هذه العقوبات في مجلس الأمن في ظلّ العلاقات الروسية – الأميركية، وبالتالي أي عقوبات جديدة ستفرض على إيران لن تحظى بأيّ شرعية دولية، وستتخذ هذه العقوبات في إطار العلاقات الثنائية، وقد يلتزم بها حلفاء الولايات المتحدة، ولكن لن تلتزم بها دول أخرى ترى أنّ مصالحها تقضي بعدم المشاركة في فرض هذه العقوبات، وفي مقدمة هذه الدول روسيا والصين، وبالتالي فإنّ فرض عقوبات ثنائية ستكون على حساب مصالح الولايات المتحدة وحلفائها حيث ستحلّ الشركات المنافسة للشركات الغربية في توظيف استثمارات في إيران، ولا سيما في قطاع الطاقة، وينجم عن هذا، الحدّ من فعالية العقوبات الثنائية، وخسارة الشركات الغربية لفرص تحتاجها في ظلّ الركود الاقتصادي المستمرّ منذ عام 2008، أي أنّ عدم التوصل إلى اتفاق يلحق الأذى بالمصالح الأميركية ومصالح حلفاء الولايات المتحدة.
التحدي الثاني، انزلاق الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية تحت ضغوط الكيان الصهيوني وجماعات النفوذ المتطرفة في الكونغرس، ومعلوم أنّ الرئيس الأميركي وغالبية النخبة الأميركية تعارض التورّط في حروب جديدة، لا سيما عندما يكون العدو بحجم إيران وقدراتها المعروفة.
التحدي الثالث استمرار المواجهة غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن من الواضح أنّ هذه المواجهة لا تصبّ في المصلحة الأميركية في ضوء ما يجري في العراق واليمن ومناطق أخرى.
هكذا يبدو أنّ توازن القوى الذي يحكم الصراع في الملف النووي الإيراني، يجعل للولايات المتحدة مصلحة في الوصول إلى اتفاق توازي المصلحة التي تحققها إيران من جراء ذلك.
(البناء)