مقالات مختارة

أوباما والخليج: الحاجة إلى التذكير بالطرف الأقوى عامر نعيم الياس

 

ذات يوم، قال الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في تعليقه على شكل علاقة بلاده ببعض الدول في العالم: «نحتاج بين حينٍ وآخر إلى إعادة تذكير أنفسنا بأننا القوة العظمى في تلك العلاقة». ويبدو أن إدارة أوباما في طور إعادة صوغ هذه المقولة في ما يتعلق بدول الخليج.

الاتفاق النووي مع طهران الذي تراهن عليه واشنطن وإدارة أوباما خصوصاً، ساهم بشكل مباشر في إعادة ضبط العلاقة الأميركية ـ الخليجية عموماً، والأميركية ـ السعودية خصوصاً، في إطار جديد يضمن اعترافاً متبادلاً بالاختلاف في الملفات الإقليمية وعلى رأسها سورية، ودفعاً باتجاه تخفيف العبء الأمني المباشر عن كاهل الولايات المتحدة، والذي تحوّل إلى واجب أميركي تجاه عواصم الخليج خلال العقد الأخير. فالأخطاء حمّلت حصراً للولايات المتحدة وهو ما لا تطيق الأخيرة احتماله. لذلك عمدت إلى دفع دول الخليج إلى إنتاج المزيد من الأمن عوضاً عن استهلاكه، والتجربة اليمنية وقرار القمة العربية إنشاء قوة عربية مشتركة خيرُ دليلٍ على هذا التوجّه.

في قمة «كامب ديفيد» مع قادة الخليج عمد أوباما إلى طمأنة قادة هذه الدول في شأن الاتفاق النووي مع طهران وحدوده الأمنية، لكن من دون أن يرفع مستوى التطمينات إلى حدّ الالتزام الرسمي الأميركي باتفاقية تحالف على غرار تلك التي تنظّم العلاقة بين دول حلف شمال الأطلسي، وفي سياق رسم أطر التعاون الأميركي الخليجي وفق التطورات الأخيرة في المنطقة، وتغيير السياسة الأميركية المرجوّ في المدى المنظور. يمكن القول إن قمة «كامب ديفيد» راعت الحفاظ على التوازن الإقليمي الحالي القائم في اليمن وسورية وعلى صعيد علاقة الخليج بإيران، من دون الالتزام المباشر في معركة تغيير موازين القوى في مواجهة طهران، وصولاً إلى الانتصار عليها وفقاً للرؤية السعودية ـ «الإسرائيلية» المستجدة للعلاقة مع واشنطن والتي دفعت رئيس الحكومة الصهيونية إلى التدخل مباشرة في الصراع الداخلي الأميركي ووضع نفسه وحزبه في خدمة معركة الحزب الجمهوري الأميركي في مواجهة إدارة أوباما.

إن عدم وجود اتفاق ملزم أميركيّ ـ خليجيّ يعود إلى المسائل التالية:

ـ استراتيجية إدارة أوباما في المنطقة والتي تعمد إلى منح حلفاء واشنطن وأدواتها دوراً أكبر في معارك الاستنزاف المفتوحة أو مائعة الأهداف. وفي هذا السياق يمكن وضع ما توصلت إليه القمة الأميركية ـ الخليجية في الشأن السوري. فالنظام السوري باقٍ مع استمرار شخصنة ملف الرئيس السوري، لكن التدخل العسكري الأميركي المباشر لا أمل فيه. وملف المناطق العازلة غير قابلٍ للنقاش حالياً. لكن لعبة دول الخليج وتركيا مستمرة وبالغطاء الأميركي الرسمي.

ـ الحفاظ على النمط المميِّز للعلاقات الأميركية ـ الخليجية والقائمة على الالتزام السرّي والفردي مع الإدارات الأميركية المتعاقبة بأمن الخليج، لا اتفاقات ملزمة ورسمية على غرار بعض الاتفاقيات الأميركية مع دول العالم. وهذا من شأنه أن يساهم في بقاء ابتزاز الولايات المتحدة لإمارات الخليج وممالكه على وضعيته. هنا تشير مجلة «فورين بوليسي» في مقال للكاتبَين ريتشارد سوكولسكي وجيريمي شابيرو، إلى أن «الالتزام الأميركي إزاء أمن السعودية ودول الخليج ليس مطلقاً، لا بل يقوم على مساومة واقعية، وهي أن الولايات المتحدة ستحميكم من التهديدات الخارجية التي تهدّد أمنكم، وفي المقابل ستدعمون الأهداف والمصالح الأميركية في المنطقة، وستساهمون في تعزيز استقرار أسواق الطاقة العالمية».

ـ المعطى النووي مع إيران سينقل الولايات المتحدة من هاجس الاحتواء وتبادل التهديدات، إلى مرحلة جديدة من إدارة الملفّات في المنطقة وإعادة صوغ أدوار جميع الأطراف فيها. وبهذا المعنى فإن العلاقة مع إيران ستضع أوتوماتيكياً حدوداً جديدة وضوابط للعلاقة الأميركية ـ السعودية.

ممّا لا شك فيه أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تعيد رسم حدود القوة ونمط العلاقات داخلها. وهنا لم يحاول أوباما شطب الخليج من المعادلة، بقدر ما حاول إعادة ضبط دول الخليج وتذكيرها بحدود فعلها في المنطقة، مقابل استمرار التعهّد الملزم بضمان أمنها ووجودها ووجود حكامها في مواجهة أي تهديد خارجي وحتى داخلي، على رغم إشارة أوباما الرمزية إلى الامتعاض الداخلي في دول الخليج في مقابلته شهر نيسان الماضي مع صحيفة «نيويورك تايمز».

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى