السعودية وتركيا وقطر تتحرر من الضغوط الأميركية: استغلال «الجهاديين» في سوريا.. وتحجيم «غرفة انطاكيا» محمد بلوط
«ليتدبر كل منكم أمره في سوريا». هذه رسالة كامب دايفيد الأميركية للسعودية وقطر، خصوصاً من بين من استدعاهم الرئيس باراك أوباما إلى المنتجع الرئاسي الأميركي.
وكلما اقتربت ولاية أوباما من نهايتها تبين أن الاستراتيجية الأميركية في سوريا لن تتورط بكل ما عرض عليها الأتراك والسعودية من خطط واقتراحات. لا قوة «معتدلة» تعمل الولايات المتحدة جدياً على بنائها. 90 متدرباً سورياً في الأردن فقط طبيعة «جيش وطني» سيكلفه الأميركيون بمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش».
ولا منطقة حظر جوي، أو منطقة آمنة، لان القبول بها أو تشجيعها بصرف النظر عن حاجز «الفيتو» الروسي المفترض في مجلس الأمن وانعدام فرص فرضها فرضاً أحادياً، أو مجرد وضعها على جدول الأعمال العسكرية الأميركية يتطلب أمرين لم تقبل بهما الولايات المتحدة لسببين: أولهما تدمير البنى الدفاعية الجوية السورية كشرط لازم ومسبق، علما أن الجيش السوري يملك شبكة دفاع جوي لا تزال تعمل بنشاط وتغطي جبهة واسعة بطول 800 كيلومتر، وثانيا بسبب الحاجة إلى إرسال قوات برية لإتمام العمل، وهو طبعاً ما يرفضه الأميركيون.
وعلى العكس من ذلك تبدو عملية حقل العمر النفطي أمس الأول، برهانا على حيوية التنسيق مع المخابرات السورية، وأهمية المعلومات التي وفرتها العشائر في المنطقة في قيادة سرب من 20 طوافة وقاذفة نحو قيادة «داعش» في المنطقة، وهي العشائر التي تعرضت لمذابح على أيدي «الدولة الإسلامية»، وخصوصا الشعيطات، ومصادرة لآبار «نفطها» من «أمراء داعش»، وهي تشكل كلها عنصراً حيوياً في العمليات الأميركية لاحتواء التنظيم بين سوريا والعراق، وتجديد بنك الأهداف ضد «داعش» في سوريا، بمعلومات مستقاة مباشرة عبر الأفراد، وليس عبر الاستطلاع الجوي، والتعاون المثلث الأميركي ـ العراقي فالسوري.
كما أن الولايات المتحدة لن تذهب إلى حد استفزاز إيران في سوريا، إبان المنعطف الأخير نحو الاتفاق النووي، فضلا عن أن الإيرانيين قد لعبوا الدور الأساسي في احتواء «داعش» ومنعوا حصار بغداد، واستعادوا المبادرة على الأرض في حزيران الماضي، منذ معركة جرف الصخر، وحتى إيقاف زحف «الدولة الإسلامية» على اربيل.
ومن نافل القول ان بقاء ثلاثة آلاف عسكري أميركي في العراق، فيما تقوم بلادهم بتوجيه ضربات للجيش السوري، سيحولهم إلى أهداف مشروعة، إيرانياً وعراقياً، من كل المجموعات التي تقاتل حاليا إلى جانب الجيش السوري. كما أن عملية تطبيع وإعادة تأهيل الجماعات «القاعدية» داخل المعارضة المسلحة، لا يحظى بتأييد العسكريين الأميركيين، الذين تلقت استراتيجيتهم في بناء «قوة معتدلة» ضربات قاتلة من «جبهة النصرة»، و «الجبهة الإسلامية»، التي قامت تباعاً بتصفية «جبهة ثوار سوريا»، التي قادها جمال معروف، ثم قضت على «حركة حزم».
والأغلب أن يتدبر الخليجيون أنفسهم في الأسابيع المقبلة لإعادة بناء المعارضة السورية على أسس «جهادية» خالصة بعد التحرر من الضغوط الأميركية، محورها «جبهة النصرة» و «جيش الفتح».
ولإتاحة الفرصة لصعود «النصرة»، يتجه الأتراك والسعوديون إلى تحجيم دور غرفة العمليات في إنطاكيا، والتي كانت تسمح لبقية الأجهزة والدول بالعمل في الداخل السوري، وانتخاب الفصائل التي يمكن تمويلها، واستخدامها في العمليات العسكرية ضد الجيش السوري، لكن من دون تنسيق واسع خلال العمليات، ومركزية في القرار.
ويطمح السعوديون والأتراك والمموّلون الخليجيون للجماعات «الجهادية»، إلى استغلال سيطرة هذه الجماعات شبه الكامل على العمل العسكري في الشمال السوري، من أجل بناء محور إسلامي خالص يستند إلى «جبهة النصرة» خاصة، والى المقاتلين الأجانب الذين يمكن السيطرة عليهم، خصوصا عبر المخابرات التركية، مثل «جماعة جنود الشام» الشيشانية، بالإضافة إلى «فيلق الشام»، و «أجناد الشام»، وجند الأقصى، و «أنصار الإسلام».
وتقول مصادر غربية، عملت في الشمال السوري، إن الأتراك قاموا بتجفيف مصادر تمويل «الجبهة الشامية» أولا، بعد فشلها في إدارة معركة حلب، لفتح الطريق أمام «جيش الفتح» وإجبار الفصائل المترددة على الانضمام إليه. وكانت المجموعات المنضوية في «الجبهة الشامية»، التي قادها «الإخواني» عبد العزيز سلامة، زعيم «لواء التوحيد»، قد نجحت بالعمل أشهرا، من دون تمويل مباشر من تركيا، وبالاعتماد على أعمال التهريب عبر المعابر، والخوات، وسرقة الصوامع والمعامل والمحالج، لكنها لم تحرز تقدما يذكر في جبهات حلب.
ويقول خبير غربي يعمل في المنطقة إن السعوديين يرغبون في تعميم تجربة «جيش الفتح»، التي بدت ناجحة في عمليات جسر الشغور وفي ادلب، إلى مناطق أخرى. ويحتاج تعميم التجربة إلى تقارب سعودي ـ تركي، على المدى البعيد، في حين انه لا يستند إلى أسس إيديولوجية متينة، وان استند إلى انقلاب سعودي كبير، وتمرد ثنائي على مواقف واشنطن الأخيرة، منها ما اتصل بالسعودية في ملف الضمانات الأمنية، أو احتواء التمدد الإيراني، و «التهاون» في الملف النووي الإيراني، أو الاستنكاف عن توجيه ضربات عسكرية للجيش السوري، ومنها ما اتصل بتركيا، عبر رفض واشنطن أي منطقة حظر جوي، أو تدخل بري، أو المخططات التركية التي قد تؤدي إلى انهيار الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها، وهو ما لا تريده واشنطن الآن، قبل التوصل إلى تصور لحل سياسي مستقبلي في سوريا، والعثور على عناصر من داخل النظام، كما تراهن للقبول بتغيير وفق مصالحها.
ولا تزال احتمالات العمل العسكري، ومصائر الجبهات ترتبط بتقدم التفاهم السعودي التركي. فعسكرياً، يمكن الزعم أن الفضل في تحويل «جيش الفتح» إلى «جيش» هي صواريخ «التاو» السعودية، وليس إلى تركيا. ولم يجاف عسكري سوري التقديرات بالقول إن آليات الجيش السوري ومواقعه في جسر الشغور، تعرضت في موجة الهجوم الأولى الى 700 صاروخ «تاو» المضاد للدبابات. وكانت السعودية، وهي مصدرها الأول، قد اشترت 13750 صاروخا من هذا النوع في كانون الأول العام من العام 2013، في صفقة أشرف عليها آنذاك بندر بن سلطان، وحصلت الولايات المتحدة مقابلها على مليار و100 مليون دولار. وتملك السعودية 25 ألف صاروخ من هذا النوع، وهي من يزود المعارضة السورية به، وهو صاروخ لا ينبغي التقليل من دوره في العمليات.
ولا يبدو أن التقارب التركي ـ السعودي سيؤدي إلى استراتيجية مشتركة، برغم المرونة التي يبديها السعوديون نحو التعاون مع جماعة «الإخوان المسلمين». وكان ضباط المخابرات السعودية في إنطاكيا قد وافقوا على إعادة تشكيل وتمويل «كتائب ثوار الشام»، من مجموعة علي شاكرلي في «فجر الإسلام» و «ديوان الأنصار»، العمود الفقري لـ «جيش المجاهدين»، و «كتائب الزنكي»، و «حركة النور» «الاخوانية»، وهو جزء من إطار سعودي أوسع لمد جسور مع «الإخوان»، من «الإصلاح» في اليمن في إطار حاجات «عاصفة الحزم» الفاشلة، الى «النهضة» التونسية، فـ «الإخوان» السوريين، الذين لم تقطع الرياض الجسور معهم بأي حال.
وقد لا يذهب التقارب السعودي ـ القطري ـ التركي أبعد مما هو عليه. فالسعوديون يأخذون أولا على الأتراك خذلانهم إياهم في «عاصفة الحزم»، كما أن هدف الحرب التي يقوم خلالها السعوديون بتدمير اليمن، هو ترسيخ زعامتهم على العالم العربي، والسني. وجلي أن التقارب يتوقف عند خط التماس بين الطموحات التركية والسعودية، على تزعم عالمين ممزقين. كما أن العلاقة مع «الإخوان»، ومن خلالهم الأتراك، لم تنقلب كلياً. إذ يقول مسؤول سعودي عن الملف السوري ان لا تغيير في المقاربة لدور «الإخوان»، وإنهم ليسوا حلفاء مع تركيا ولكنهم حلفاء محليون، معتبرا ان الأولويات لم تعد إيديولوجية ولكن جيوبوليتيكية، وانه لا يمكن مواجهة «داعش» وايران و «الإخوان» دفعة واحدة، وانه من الممكن ضمهم في الوقت الحالي، إلى أولوية احتواء إيران في المنطقة.
وتواجه عملية إعادة البناء العسكري حول «النصرة»، صعوبات كثيرة، إذ يقول خبير غربي في الشمال السوري إن القطريين حاولوا وفشلوا في إقناع أبو محمد الجولاني، بنقض بيعته إلى «القاعدة». كما ان ممثلين عن «أحرار الشام» انضموا إلى لقاء قطري مع قائد «النصرة» للبحث بنقض البيعة. وكان البحث معهم قد تركز على فشل مشروعهم في إقامة «إمارة» مستقلة في الشمال السوري، تحت ضغط البيئة الحاضنة، وعمليات المواجهة التي لم تتوقف مع المجموعات الأخرى، مثل «حركة حزم» و «جبهة ثوار سوريا»، ما يفرض عليهم مراجعة مشروعهم. كما ان الكثرة الغالبة من «الأمميين الجهاديين» قد غادروا «النصرة» الى «داعش»، ما يعفيها من الالتزامات التي قدمها هؤلاء الى «القاعدة» قبل نقض بيعتهم.
والأرجح أن مطلب نقض البيعة لم يعد مطروحا على الطاولة مع الجولاني، إذ لن يكون باستطاعة «النصرة» أن تلعب الدور المحوري الذي يريده لها المحور السعودي ـ التركي ـ القطري، اذا ما نقضت بيعتها إلى «القاعدة».
إذاً لن تكون سوريا من أولويات الإدارة الأميركية في الأشهر المقبلة، ولن تواجه هذه الدول ضغوطاً كبيرة في استراتيجياتها السورية إلا بما يتعارض مع أهداف واشنطن في مواجهة «داعش»، وعدم استفزاز إيران، التي بدأت بإرسال قوات إلى الشمال السوري، إلى جانب حلفائها العراقيين واللبنانيين، بالإضافة إلى روسيا، التي ترسل المزيد من الخبراء إلى سوريا لتعزيز عمليات الجيش السوري.
كما أن نقض البيعة قد تؤدي إلى نتائج معاكسة، إذا ما تكررت عمليات الهجرة نحو «داعش»، وخسارتها أكثر من ثلثي أعضائها عندما انفجر الخلاف بين «الخليفة» ابو بكر البغدادي، و «الفاتح» الجولاني في حزيران العام 2013، حول ولائهما لـ «القاعدة» آنذاك. والأرجح ان يفضل الأتراك والسعوديون «نصرة قاعدية» وقوية قادرة على مواجهة الجيش السوري، على قاعدة أعيد تدويرها وتنظيفها من «القاعدة»، ولكن من دون نصف مقاتليها على الأقل.
(السفير)