نصرالله تبنى طرح العماد ميشال عون الأخير نبيل هيثم
لعلّ الملاحظة السريعة والبديهية التي يمكن تسجيلها حول الاطلالة الاخيرة للامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ان السيد كان هذه المرة اكثر حدّة وعنفًا وقساوة ووضوحا وصراحة في مقاربته.
تتطلب إطلالة السيد التمعن في مضمونها وأبعادها وأهدافها، فهي ربما فاجأت «14 آذار» و«8 آذار»، وتميّزت بالنبرة الهادئة والصلبة التي اعتمدها، وبحجم كرات النار التي دحرجها على الداخل والخارج، وبالرسائل المشفّرة وغير المشفّرة التي وضعها في يد حلفائه وخصومه، إن ما يتصل بالداخل اللبناني سواء على المستوى السياسي أو أزمة عرسال والسقف العالي الذي رفعه بتسمية الاشياء بأسمائها، او ما يتصل بالسعودية وذهابه الى القطع النهائي معها لدورها في اليمن ومع المجموعات الارهابية في سوريا ولبنان والعراق.
إعلان الانتصار في القلمون كان تحصيلا حاصلا، خاصة وان هذا الانتصار قد أخبر عن نفسه بالوقائع والانجازات التي حققها «حزب الله» في الميدان. الا ان ما يوازيه اهمية، وربما يفوقه، هو التأكيد على ان «ما بعد القلمون ليس كما قبله»، وتلك مسلّمة تؤكدها مجموعة ملاحظات، سجلت في اطلالة السيد الاخيرة قبل يومين، كما يلي:
قدم مشهدا شفافا عن سير المعركة، عن صعوبتها وشراستها، ومن دون ان يدخل في الاستعراضات ولا التهويل:
ـ طمأن اللبنانيين عموما والبقاعيين خصوصا أن «لا مخاوف كما كانت، هناك نمر من ورق تهاوى، وثمة رسالة بمضمون تطميني وردت الى بعض المراجع الروحية وفيها: اطمئنوا، القرى والبلدات المسيحية في شمال بعلبك اصبحت بمأمن وأمان».
ـ ألقى بثقل الانتصار على المشككين به وعلى المهوّلين على «حزب الله» بمخاطر كبرى على البلد وعلى قضية العسكريين المخطوفين، سيسببها خوضه معركة القلمون، وعلى من نظروا لهزيمة الحزب فيها أمام من سموهم بـ «الثوار»، وعلى الحملة الاعلامية الشرسة والمنظمة التي سُخِّرت لها فضائيات وتلفزيونات محلية، بهدف ردع «حزب الله» عن الذهاب الى القلمون، والتي اثبت انها فارغة، خاصة وانها استخدمت مصطلحات، وفبركات، وشائعات واكاذيب طالت شخص السيد، ولعل ابرزها تلك الاكذوبة التي قالت «ان السيد يعاني أزمة صحية وتم نقله الى المستشفى بدليل انه شرب الليموناضة»!
ـ توجه الى تيار «المستقبل» وحلفائه، ومن خلفه السعودية، التي يؤكد «حزب الله» انها تدعم المجموعات الارهابية في القلمون، ليؤكد «ان الضغوط لا تنفع، ونحن نقدر المصلحة، وبناء على ذلك ندخل المعركة، ليس لخوضها فقط بل والانتصار الحتمي فيها».
ـ أخذ السيد الداخل اللبناني الى مرحلة جديدة، سياسية وغير سياسية، ربطا بنتائج معركة القلمون، وبما قد تصل اليه الامور بعد القلمون بما قد يفضي الى مشهد سياسي جديد في لبنان. ومن يريد ان يتعاطى مع معركة القلمون ببعدها اللبناني من باب التحريض على «حزب الله» ودوره وعلى المسوِّغات اللبنانية لهذه المعركة، عليه ان يتحمل لاحقا النتائج السياسية لهذا المنطق، ومن يريد ان يتعاطى مع هذا الخطر كخطر جدي يستهدف كل المكونات اللبنانية ويتوجب مواجهته بما يستحق، فهؤلاء حتما في صف المنتصرين وفي ركب مخففي الاعباء والاكلاف عن لبنان.
ـ يقرأ في مضمون ما قاله السيد، ان تداعيات القلمون قد لا تقتصر على نتائج موضعية او محدودة، بل يمكن ان تتدحرج لتحدث «تغييرا» كبيرا، سواء في المعادلات الداخلية القائمة او في التوازنات الاقليمية الموجودة في البلد حاليا. وهنا الرسالة البالغة الأهمية التي يضعها السيد في يد تيار «المستقبل» وحلفائه.
ـ أعلن السيد، ضمنا، من دون ان يعلن علنا، فتح معركة جرود عرسال، ولكن مع وقف التنفيذ حاليا، عبر تأكيده ان المعركة الحالية مفتوحة بالمكان والزمان، وان انتصار القلمون حقق «نصف امان»، واما الامان الكلي فلا يمكن ان يتم الا بإخراج المجموعات الارهابية من جرود عرسال.
هنا، يُدخل السيد كل الآخرين في الامتحان، وفي مقدمهم الحكومة والدولة اللبنانية، وكذلك تيار «المستقبل» الذي ما يزال ينظر الى المجموعات الارهابية كـ «ثوار».
ثمة رسالة شديدة الوضوح يضعها بين ايدي كل المعنيين تتعلق بوضع بلدة عرسال والجرود تفيد بما يلي: «ليس لدينا خطوط حمر، فإن لم تبادروا، هناك من سيبادر. هؤلاء المسلحون ممنوع ان يكونوا بيننا او في قرانا او موجودين في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية يهددون القرى ويستبيحون دم الناس. هؤلاء المسلحون، انتم تقولون لنا انهم يشكلون بين ايديكم قنابل موقوتة قابلة للانفجار في اية لحظة، يعني انكم اول من سيصاب اذا ما انفجرت تلك القنابل، وانتم تقولون لنا انهم لا يقبلون غيرهم، وانتم تقولون دائما انكم ضد الفتنة وتلعنون من يشعلها او يوقظها، تخيلوا لو ان تلك السيارة التي كانت مفخخة باكثر من 500 كيلوغرام، وُفِّق الارهابيون في ارسالها الى الداخل اللبناني وانفجرت في اي مكان، فأي صورة للبلد بعدها؟ فتنة، حرب اهلية، كارثة، الا يعني ذلك اننا قد ندخل في الشر المستطير؟».
لذلك، تكمل الرسالة، «إذا لم تأخذوا قرارا جديا بالتصدي لهؤلاء الارهابيين والتكفيريين في جرود عرسال، وهذا معناه دعم الجيش جديا والاستعداد السياسي والمادي والعملياتي لهذه المعركة التي إن لم تحصل اليوم فستحصل غدا، فهذا يعني انه سيأتي الوقت الذي لن تكون هناك اية خطوط حمر او اعتبارات حمراء او تخويف من فتنة او ما شابه، وبالتالي لن يقف حاجز امام حتمية ان تخاض هذه المعركة بالزمان والمكان المناسبين».
ـ رسم السيد خط المواجهة وحدود المعركة «هي واحدة من سوريا الى لبنان، الى العراق، الى البحرين، الى اليمن». وعن سابق اصرار وتصميم، قرر السيد ان يذهب الى نقطة اللاعودة مع السعودية. هنا خيّب رهان بعض المراجع السياسية الداخلية على عودة العلاقة بين الطرفين. كان الرهان على تلك العودة صعبا جدا فصار مستحيلا قطعا.
وفي موقف غير مسبوق ولا مألوف على مدى العلاقة بين الطرفين، قدم السيد السعودية على انها فاقت اسرائيل عدوانية. هنا قبل على نفسه ان يذكر بأن الاسرائيلي وفي تاريخ حروب المقاومة معه، لم يقصف الاضرحة ولا المستشفيات، ليقول ان السعودي فعلها، وليقول ابعد من ذلك، ان مدرستهم مع الارهاب التكفيري واحدة، وقصفهم بالطيران للاثار وما شابه ذلك، هو من نفس الخلفية العقائدية التي جعلت تنظيم «داعش» يدمر آثار وتاريخ وحضارة الموصل ونينوى والاشوريين وغيرها من الحضارات والصروح والاضرحة.
ـ أفرد السيد في اطلالته مكانا لفلسطين، قاربها بذكرى نكبتها، أراد التأكيد على شعار «الى فلسطين درْ»، مع علمه انها يتيمة بلا عرب وقضيتها تتلاشى في هذا الزمن العربي الكريه، الغارق في قتل الذات بمذهبيته وطائفيته وافقه الضيق. بدا السيد كمن يحفر الجبل بإبرة، لكنه وقف على الحقيقة المرة: «ان نكبة فلسطين ضيّعت الجغرافيا وابقت القضية، واما نكبة التكفيريين، فضيعت الجغرافيا والقضية وكل شيء».
ـ في الموضوع السياسي، لاقى السيد العماد ميشال عون في طرحه الأخير متبنيا كل ما عرضه الجنرال. وبنبرة فيها «ثقة ظاهرة» قد تستبطن اشياء واشياء نصح الآخرين «استمعوا للجنرال ولا تستعجلوا، ولا تنتظروا احدا من الخارج».
(السفير)