الانتقال إلى نظام المجلسين والضرورة الوطنية
غالب قنديل
تأجيل ساعة التحرر من العصبيات الطائفية في البنيان السياسي اللبناني المعيوب والأشوه هو الغاية التي يسعى إليها ويعمل لفرضها عدد من الفرقاء السياسيين الذين يخشون من ابطال فعل الانتماءات الطائفية والعصبيات التي شكلت غلاف الحصانة والحماية لمنظومة نهب لصوصية وشبكة مصالح سياسية اقتصادية ومالية بينما كانت المحفز لمنع تبلور ارادة شعبية جامعة ووعي شعبي تغييري ووطني قابل للتجسد في المؤسسات الدستورية والانتظام العام للدولة وإن كانت الخشية من إلغاء فوري للطائفية السياسية قد جرى احتواؤها بالصيغة المتدرجة لإلغائها التي نص عليها اتفاق الطائف فإن أخطر ما يجري منذ مباشرة تطبيق الاتفاق هو حجز أهم بنوده الدستورية واختراع الذرائع لتأخير انتخاب مجلس الشيوخ وتدشين عهد نظام المجلسين في البناء الدستوري للدولة الوطنية.
لا مبرر سياسيا أو دستوريا للمماطلة في الانتقال إلى نظام المجلسين على الفور وقبل موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل يمكن اصدار قانون دستوري بإحداث مجلس الشيوخ وتحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي مما سينقل الحياة السياسية الوطنية والمؤسساتية إلى مرحلة جديدة والقانون يجب ان ينظم العلاقة ويحدد الصلاحيات الدستورية لكل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب بالمفرد والجمع أي تعيين حالات انعقاد المجلسين معا وهي الصيغة التي تسمى بالكونغرس أو المؤتمر الوطني وهي مشروطة بمناقشة القوانين الأساسية والمعاهدات وحالات الحرب والسلم وهذا القانون الدستوري يركز صلاحية التشريع في المجلس النيابي ودور مجلس الشيوخ مكمل معزز ومحصور في حالات محدودة يعينها النص القانوني الدستوري.
هذا التطوير الهيكلي للنظام الدستوري يتكفل بتوسيع قاعدة التمثيل ويمهد ضمن فترة زمنية قصيرة لتخطي الطائفية في التمثيل النيابي وهذه نقلة ثورية نوعية في الحياة العامة والبناء المؤسساتي يميل اهل النظام لإعدامها حرصا على شبكة مصالح وقواعد تكوينية راسخة تشكلت بها شبكة مصالح وامتيازات كانت العائق الجوهري المانع لقيام دولة وطنية راسخة منيعة ومستقرة بعدها انبثاق عهد جديد للحياة السياسية الحزبية وللعمل النيابي البرلماني وهي قرينة إصلاح دستوري آخر تم تعطيله عمدا وبخطة رجعية مشبوهة تم تحصينها بذرائع طائفية مشبوهة مريضة وفاسدة ينبغي سحقها دون تردد.
نص اتفاق الطائف على خفض سن الاقتراع إلى 18 عاما والتأخير يعكس تخلفا ونزعة رجعية خطيرة قياسا إلى سائر الأنظمة الانتخابية التمثيلية في العالم التي تعتمد سن 18 وبعضها دون هذا الحد كما كتبنا وقلنا سابقا ومن التخلف والرجعية المرضية تأخير هذا الاستحقاق وكفى تمسكا بنظام متخلف ورجعي يحرم الدولة ومؤسساتها من عنصر الشباب وحيويته وابتكاره وكما قلنا سابقا كيف تتكفل فئة عمرية فتية بتقديم أبطال وشهداء في تحرير أرضنا المحتلة ولا يكون لها حق المشاركة في الاقتراع لاختيار النواب والمساهمة في صياغة المشاريع والخطط الحكومية الوطنية. الانتخابات القادمة يجب ان تكون محطة نوعية في الحياة الوطنية ولابد من إقرار هذه التغييرات والتعديلات في نظامنا السياسي الدستوري وشل المعرقلين والمعطلين هو واجب وطني مستحق يقتضي حملة سياسية وإعلامية تمهد لأهم تعديل دستوري وسياسي في الحياة الوطنية سيدخل النظام في مسار بناء الدولة الحديثة ويحقق نقلة حضارية في بنيانها المؤسساتي كما يرسخ الوحدة الوطنية على الصعيد الشعبي .
جميع الذرائع التي قد تلقى للتأجيل او التعطيل ليست في أهلية وجدارة النقاش والاهتمام طالما لا تعكس سوى العصبيات المرضية التي يفترض التحرر منها لإطلاق مرحلة جديدة تكرس الوحدة الشعبية وترسخ الاندماج الوطني فتتخطى العصبيات التي تغذي نزعة الاحتراب المتجدد والتناحر الذي يهدد الاستقرار وينخر الاستقلال بل يقوض دعائمه بفتح أبواب التدخل والاستقواء بالخارج في كل اختلاف او نزاع داخلي سياسي او مصلحي.