هل عُهّدت سورية للمحور التركي ـ السعودي ـ القطري؟ عامر نعيم الياس
لا تراهن الولايات المتحدة على التطورات الميدانية الأخيرة في شمال سورية. الشكوك والقلق صفتان تميّزان النظرة الأميركية إلى ما يجري حالياً في سورية، لكن هذا لا يمنع من شكوك مقابلة حول تقارير إعلامية غربية ظهرت بشكلٍ متواتر في «إندبندنت» البريطانية و«لوموند» الفرنسية وغيرهما من كبريات الصحف الأوروبية عن التحالف القطري ـ التركي ـ السعودي والرهان على «جيش الفتح» تحت قيادة ذراع «القاعدة» في سورية ـ «جبهة النصرة»، والذي يضمّ إلى جانبها مجموعات سلفية وأخرى من الإخوان المسلمين. وبحسب «لوموند»، فإن «التقدّم الميداني للمسلحين في شمال سورية وتحديداً في محافظة إدلب يعود إلى اتفاق الدوحة وأنقرة والرياض تحت قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز الذي وصل إلى حكم السعودية في كانون الثاني الماضي، إذ وحّدت هذه القوى الإقليمية جهودها بعد سنوات من عدم الثقة».
من الواضح أن الدوائر السياسية والإعلامية الغربية تقدّم ملف «جيش الفتح» والتحالف الإقليمي الثلاثي الناشئ في المنطقة باعتباره مخالفاً رغبات الغرب المتخوّف من التحالف مع القوى الإسلامية المتطرّفة تحت قيادة «القاعدة»، لكن هل هذه هي الصورة الحقيقية؟
لا يمكن للقوى الإقليمية التي ذكرت في تقارير «إندبندنت» و«لوموند» وغيرهما من الصحف التحرك بمفردها، ولا يمكنها التصعيد بهذا الشكل ميدانياً في سورية استناداً إلى التناقضات الموجودة في صفوف النخب الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية، أو استناداً إلى ما يطلق عليه وسط بعض النخب أميركية «عدم وجود استراتيجية متماسكة لإدارة أوباما في سورية»، إذ إنه من الواضح أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي داخل واشنطن متفقان على جملة خطوط عريضة تتعلق بالحرب على «داعش» وعلاقتها بالصراع في سورية كان قد أشار إليها معهد واشنطن المحسوب على المحافظين الجدد في بحث شارك فيه مسؤولون سابقون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري داخل الإدارة الأميركية، وهم مستشارا الأمن القومي السابقان صمويل بيرغر وستيفن هادلي، والسفير الأميركي السابق في العراق وتركيا جيمس جيفري، والمسؤول السابق في إدارة أوباما المبعوث الخاص للسلام في الشرق الأوسط دينيس روس، والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف. وفي سياق لحظ التوصيات الواردة في البحث، لوحظ بالنظر إلى السياسة المتّبعة لسياسة أوباما في سورية وجود القواسم المشتركة التالية:
عدم الزجّ بالقوات الأميركية المسلحة في تدخل عسكري مباشر في سورية. وبحسب معهد واشنطن فإن «القوات البرية الأميركية ليست هي الحل للوضع».
تعزيز العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين في المنطقة، وهو ما يعكس في أحد أوجهه الغاية من اجتماع أوباما مع قادة مجلس التعاون الخليجي في «كامب ديفيد».
عقد اتفاق نووي مع إيران على قاعدة «حظر امتلاك طهران القدرة التي تخولها الحصول على سلاح نووي».
طمأنة «الزعماء السنّة الرئيسيين» في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بإيران.
قيام استراتيجية تحافظ على نظام الدولة في الشرق الأوسط وتواجه تنظيم «داعش» بحسب معهد واشنطن.
هذه القواسم المشتركة تراعي في كامل أوجهها احتواء إيران بالتوازي مع الحرب على «داعش» بالدرجة الأولى. وبالدرجة الثانية تدفع باتجاه اعتماد استراتيجية مواجهة غير مباشرة في سورية عبر حلفاء واشنطن في المنطقة، وهو ما يصب بشكل مباشر في سياق بقاء التدخل القطري ـ التركي ـ السعودي المباشر على أرض سورية، وطبعاً «الإسرائيلي» على حاله، مع ملاحظة الافتراق في ملف المناطق الآمنة والذي لا تزال الإدارة الأميركية ترفضه استناداً إلى مُشتَرَك عدم الزج بالقوات البرية الأميركية في الحرب السورية، بالتزامن مع شكوك أميركية رسمية تصب في خانة فسح المجال أمام خط الرجعة في ما يخص الحالة السورية، وذلك عملاً بالمهلة التي فرضت كموناً تكتيكياً سياسياً على حلفاء سورية بالدرجة الأولى، وصمتاً رسمياً أميركيا أو بالأحرى غضَّ طرفٍ عن العدوان التركي ـ السعودي ـ القطري ـ «الإسرائيلي» المباشر على سورية منذ حوالى شهرين.
(البناء)