من يوقف تقسيم العراق؟ محمد نورالدين
بعد لقائه الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال رئيس إقليم كردستان في العراق مسعود البرزاني إن استقلال كردستان حق طبيعي، وإن الأكراد تعرضوا بعد الحرب العالمية الثانية للظلم. وقال إن الأكراد تعرضوا للتقسيم من دون إرادتهم. وأضاف أن الأكراد يتقدمون يوماً بعد يوم نحو استقلالهم الكامل، ذلك اليوم الذي لم يعد بعيداً.
ولفت البرزاني إلى أن لكل قسم من كردستان ظروفه الخاصة، وإلى أنه بعد هجوم «داعش» فإن الأمور اختلفت.
«أنا لا أذكر أنني تحدثت عن دولة كردية في السابق. لكن اليوم هناك الكثير من الدول التي تساندنا. كما أنه ليس هناك من دولة تعارض استقلالنا. والآن ليس هناك من أي عقبة أمام استقلال كردستان»، وقال «إن مصير الأمة الكردية تحدده هي بنفسها ونحن سعيدون بالحوارات التي نجريها وإذا كان من عقبات فهي قليلة جداً»، يأتي كلام البرزاني هذا ليعكس المناخات التي خبرها البرزاني بنفسه في الولايات المتحدة المؤيدة لاستقلال الدولة الكردية. وهذا ليس بجديد. كما ليس بجديد التبني الأمريكي الرسمي لتقسيم العراق إلى ثلاث دول كردية وشيعية وسنية. وقد أكد نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ذلك منذ كانت الولايات المتحدة تحتل العراق.
وغالباً ما يشتغل الأمريكيون أو الغربيون عموماً بداية على التعبئة النفسية لفكرة التقسيم تماماً كما حصل مع إنشاء الكيان الصهيوني بالتمهيد له بإعلان وعد بلفور عام 1917. وقد بدأ العد العكسي للتهيئة النفسية للتقسيم في العراق منذ التسعينات، بعد غزو الكويت ومن ثم تحريرها، حيث أعلنت واشنطن إقامة مناطق حظر جوي أمام طائرات صدام حسين في شمالي العراق وفي جنوبيه، كما لو أنها ترسم حدود التقسيم الأولية بين شمال كردي وجنوب شيعي ووسط سني.
وبعد الغزو ببضع سنوات أعلن بايدن أن الحل للعراق هو التقسيم إلى ثلاث مناطق.
وقبل أيام كرر بايدن هذا الكلام، لكن في ظل ظروف مختلفة قابلة أكثر لترجمة فكرة التقسيم. كما أن الكونغرس الأمريكي دعا إدارة أوباما إلى التعامل المالي والعسكري مع العراق على أساس ثلاث مناطق شيعية وسنية وكردية، وبالتالي السماح ببيع السلاح لهم مباشرة من دون المرور بالحكومة المركزية في بغداد.
وفي نظرة إلى الواقع الميداني في العراق، نجد أن الولايات المتحدة لم تكن جادة في محاربة تنظيم «داعش» واكتفت بغارات جوية لم تكن تصيب دائماً أهدافاً ل”داعش”، كما أنها لم تحل دون تقدم «داعش» في العديد من المناطق العراقية.
وعلى الرغم من غزوة «داعش» للعراق واصطدامه لاحقاً بقوات البيشمركة الكردية في مناطق كردستان وتهديد«داعش»لأربيل قبل اندحاره، ورغم الصدامات العسكرية الدامية بين «داعش» والأكراد في مدينة عين العرب/ كوباني في سوريا، فإن هذه الغزوة عملت ضمناً على تحقيق أهداف كردية استراتيجية. فمنذ اليوم الأول لدخول «داعش» للعراق في يونيو/حزيران 2014 بادرت قوات البيشمركة إلى دخول مدينة كركوك ومحيطها معلنة انتهاء ما يسمى بمشكلة كركوك لاغية ما يفرضه الدستور العراقي من إجراء استفتاء حول مصيرها بالانضمام إلى كردستان أو البقاء ضمن سلطة الحكومة المركزية.
إن ضم كركوك إلى إقليم كردستان هو تحقيق لأكبر حلم كردي في تاريخهم، ولا يقل أهمية عن إعلان الفيدرالية دستورياً، إذ إن كركوك هي رمز أساسي للأكراد ويعتبرونها بمثابة القدس لهم. ومضى الأكراد إلى اعتبار المناطق المتنازع عليها مع بغداد مناطق كردية بعد أن سيطروا عليها.
استغل الأكراد في العراق جيداً المتغيرات الميدانية بسبب غزوة «داعش» للعراق. وفي ظل الانقسام العراقي على الصعد العرقية والمذهبية وانشغال كل الأطراف بمواجهة «داعش»، فإنه ليس في قدرة أي طرف، كردي أو شيعي أو سني، إخضاع الآخر ولا الرغبة على ما يبدو في العيش معاً، خصوصاً في ظل سبب آخر وهو إدارة الولايات المتحدة للصراع الداخلي والإقليمي بطريقة ذكية وخبيثة تخدم المصالح الغربية و«الإسرائيلية»، وتجعل سرطان التقسيم أمراً واقعاً وحتمياً لا يحد منه سوى معجزة نهضوية لا تبدو في الأفق من دون أن تطفئ جذوة الأمل بعودة المنطقة موحدة وحرة، حتى ولو بعد ألف عام.
(الخليج)