من الصحافة الاسرائيلية
لا يزال قرار الجيش الاسرائيلي الأخير بتصنيف ست منظمات فلسطينية حقوقية بأنها “إرهابية”، يثير جدلا حتى داخل الساحة الإسرائيلية، باعتبار أن ما قدمته وزارة الدفاع وجهاز المخابرات “الشاباك”، في تبريرهما لهذا القرار، ليس سوى قصص متخيلة، وليست وقائع على الأرض.
ميرون رابابورت، الباحث الإسرائيلي، كتب في صحيفة يديعوت أحرونوت، أن “هذه الطريقة الأمنية الإسرائيلية هي ذاتها التي تم التعامل وفقها مع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، وبذلك امتلك الشاباك بصورة حصرية تحديد مصير هذه المنظمات الست التي أعلنها وزير الحرب بيني غانتس مؤخرا بأنها إرهابية، رغم أنها تعمل ضمن منظومة المجتمع المدني، لكن الشاباك ارتأى أنها تنتمي عمليا وتشكل ذراعا لقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تهدف لتدمير إسرائيل”.
وأضاف في مقال أن “غانتس والشاباك رغم ذلك لم يحاولا إقناع الجمهور الإسرائيلي بهذه الذرائع والتبريرات، لأن هذا الجمهور مقتنع مسبقا بهذه الاتهامات، نظرًا لأنها تتمتع بتمويل سخي من الدول والمؤسسات الأوروبية، رغم أن الحديث يدور عن منظمات عريقة ومعروفة عالميًا، مثل “الحق والضمير والجمعية الدولية لحماية الأطفال”.
تجدر الإشارة إلى أن جهاز الشاباك أعد تقريرا من 74 صفحة باللغة الإنجليزية، وأرسله إلى الدول الأوروبية في أوائل شهر أيار/ مايو، تحت عنوان “نتائج التحقيق: التمويل الأجنبي للجبهة الشعبية من خلال شبكة من المنظمات المدنية”، لكن وزيرة التنمية الاقتصادية البلجيكية ميريام كيتير أعلنت في المقابل أنها قرأت التقرير، وفحصت النتائج الواردة فيه بشكل مستقل، وتوصلت إلى استنتاج مفاده أنه “لا يوجد دليل ملموس” على وجود صلة بين هذه المنظمات والجبهة الشعبية.
وعلى غرارها، تحدثت سيغريد كاغ، وزيرة خارجية هولندا، حتى وقت قريب، والتي تعتبر من أكثر الدول تعاطفاً مع إسرائيل في أوروبا الغربية، من أن الشاباك انتزع هذه الاعترافات من اثنين من المحاسبين الفلسطينيين الذين استندت وثيقة الشاباك على أساسهما بالكامل تقريباً.
عقب ساعات قليلة على إعلان موافقة الجيش على السماح للجيش المصري بزيادة قواته في مدينة رفح المصرية شمال شبه جزيرة سيناء، تباينت المواقف الإسرائيلية من هذه الخطوة، بين مؤيد ومعارض.
وفيما اعتبر بعض الإسرائيليين هذه الخطوة بأنها تحمل مؤشرات دفء في العلاقات بين تل أبيب والقاهرة، وتشهد على الثقة الكبيرة بين الطرفين، إلا أن البعض الآخر يرى أنها خطوة خطرة، لأن الجانبين يعيشان فيما يصفانه “غابة الشرق الأوسط”، ما قد يؤذي بإسرائيل.
دانيال سيريوتي، الكاتب في صحيفة إسرائيل اليوم زعم أن “إسرائيل التي تدعم جارتها الجنوبية في مصر في حربها ضد الجماعات المسلحة في سيناء، وافقت خلال لقاء القمة في القاهرة الذي جمع بين رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت، في أيلول/ سبتمبر، على توصية من مسؤولي المؤسسة العسكرية، بالرد إيجاباً على طلب مصر بزيادة عدد قواتها المسلحة للتواجد في رفح المصرية”.
وأضاف في مقال أنها “المرة الأولى التي توافق فيها إسرائيل على طلب مصر بالسماح بدخول قوات عسكرية إضافية إلى الأراضي منزوعة السلاح، على النحو المتفق عليه في اتفاقية السلام بين البلدين، وهي خطوة تضع مصر مرة أخرى كقوة إقليمية مؤثرة، بينما تعمل على تقوية علاقاتها السياسية والأمنية مع السعودية والإمارات والأردن، وبالطبع إسرائيل”.
ويتزامن القرار الإسرائيلي مع خطوتين، أولاهما تأكيد السيسي في كل مناسبة على أهمية اتفاق السلام مع إسرائيل، ومراعاته في جميع القرارات السياسية، وثانيتهما أنه رغم القوات المسلحة المصرية المتمركزة في سيناء، لكنها تصاب بالإحراج؛ لأنها تقف عاجزة في وجه التنظيمات المسلحة.
مع العلم أن السيسي الذي كان وزيراً للدفاع عندما نفذ الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي الذي عينه في المنصب، وسبق أن شغل مناصب رفيعة في هيئة الأركان المصرية، أدرك منذ البداية أهمية القضاء على تنظيم الدولة.
وفي الوقت ذاته تبرر المحافل الإسرائيلية المعارضة لإدخال قوات مصرية إضافية إلى سيناء، بالقول إن انقلابين حدثا في مصر في العقد الماضي، أولهما الإطاحة بالرئيس الراحل حسني مبارك من خلال ثورة يناير 2011، وثانيهما الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي من خلال السيسي نفسه في 2013، ولذلك فإنها معرضة لزعزعة الاستقرار فيها مجددا، ما يحمل مخاطر أمنية على إسرائيل من جبهتها الجنوبية مع سيناء.
ورأى الكاتب أن الخلاصة الإسرائيلية تتمثل في الرغبة بإدارة العلاقة الاستراتيجية مع مصر، لاسيما على الجانبين الأمني والعسكري، لكن على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية في تل أبيب، المسؤولة عن السماح بنشر القوات العسكرية المصرية، يجب أن تتذكر أنه في “غابات” الشرق الأوسط يمكن أن يحدث أي شيء، ولا أحد يعرف ما الذي سيأتي به اليوم التالي.