مقالات مختارة

إسرائيل تنتقل إلى الهجوم: براك رابيد

 

تدير وزارة الخارجية في الاسابيع الاخيرة حملة سياسية على مستوى العالم في محاولة لاحباط عملية فلسطينية لتجميد عضوية إسرائيل في الاتحاد الدولي لكرة القدم ـ الفيفا. محادثات مع وزراء الرياضة ورؤساء اتحادات كرة قدم في اكثر من مئة دولة، معلومات تجرم لاعبي كرة القدم الفلسطينيين، والتي تتهمهم بالمشاركة في الإرهاب وحملة «تشهير» ضد رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني جبريل الرجوب، هي فقط جزء من هذه الحملة. ساعة الصفر ستاتي بعد حوالي اسبوعين، في 29 ايار، حيث سيجتمع في زيوريخ في سويسرا ممثلو أكثر من 200 اتحاد لكرة القدم من شتى ارجاء العالم، في الاجتماع السنوي للفيفا. على جدول اعماله ـ التصويت على قرار لتجميد عضوية إسرائيل من الاتحاد، او على الاقل فرض عقوبات عليها، وقد كان ذلك هو ثمرة لجهود رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني جبريل الرجوب.

احد الاشخاص رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الاسرائيلية، والذي طلب عدم ذكر اسمه نظرا للحساسية الدبلوماسية للموضوع، اشار إلى ان عملية الرجوب هذه ـ والتي تحولت إلى رسمية في 19 اذار ـ جاءت بعد سنتين من التذمرات من قبل الفلسطينيين على سلسلة طويلة من الممارسات الإسرائيلية والتي تمس بفرق كرة القدم الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وحسب اقواله فانه وخلال مؤتمر الفيفا في 2013 تم اتخذ قرار بان يتولى رئيس الاتحاد، سيب بلاتر شخصيا معالجة الموضوع، وان يحاول التوسط بين الطرفين. قام بلاتر وطاقمه بصياغة مذكرة تفاهمات لتسوية العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين في مجال كرة القدم.إسرائيل وافقت على الشروط الموجودة في الوثيقة، ولكن الفلسطينيين رفضوا التوقيع عليها.

وهكذا، ففي مؤتمر الفيفا الذي عقد في السنة الماضية، اراد الفلسطينيون تمرير قرار بتجميد عضوية إسرائيل. وقد تم منع هذا القرار عن طريق اقتراح لحل وسط بحيث جرى تعيين رئيس اتحاد كرة القدم القبرصي كـ «مراقب» من اجل التوسط بين الطرفين. وحتى ان رئيس الاتحاد القبرصي قام بكتابة تقرير قدمه في بداية عام 2015 وقال فيه ان معظم شكاوي وادعاءات الفلسطينيين ضد اسرائيل تنتمي إلى المجال السياسي ولهذا فإن الفيفا ليس هو المكان الصحيح لمناقشتها، ولكن مكانها هو الاتصالات ما بين حكومة رام الله والحكومة الاسرائيلية.

لقد مر عام، ولم يتغير الكثير، والان يأتي الرجوب إلى مؤتمر الفيفا ولديه مطلب محدد وهو التصويت على تجميد عضوية إسرائيل. في جعبته سلسلة من الادعاءات. اولا إسرائيل تقيِّد حرية حركة لاعبين فلسطينيين ما بين غزة والضفة وكذلك إلى الخارج، تقيِّد دخول فرق كرة القدم من العالم العربي إلى مناطق السلطة الفلسطينية، تقوم بالمساس بمنشآت كرة القدم الفلسطينية وتفرض قيودا على نقل المعدات من الخارج إلى فرق كرة القدم الفلسطينية.

ثانيا، تقوم إسرائيل بالسماح لخمسة فرق كرة قدم من المستوطنات في الضفة الغربية، من ممارسة نشاطها تحت اسم اتحاد كرة القدم، بالرغم من ان الامر يتعلق بمنطقة محتلة، لا يوجد للاتحاد الإسرائيلي صلاحية فيها. ويطالب الرجوب بوقف نشاط تلك الفرق. ثالثا، يطالب الرجوب إسرائيل ان تتصرف بصورة فعالة ضد العنصرية تجاه العرب في مباريات كرة القدم في إسرائيل وخاصة في مباريات فريق بيتار القدس. رابعا، يدعي ان استاد «تدي» والذي يلعب عليه بيتار القدس موجود خلف «الخط الاخضر» ولهذا يجب منع الفرق المختلفة التي تمثل إسرائيل اجراء مباريات دولية عليه.

وقد اشار مصدر فلسطيني رفيع المستوى، إلى ان الرجوب قرر الدفع باتجاه تجميد عضوية إسرائيل في الفيفا بعد ان فشلت كل المحاولات لحل الموضوع بطرق اخرى. وحسب اقواله فان القيود الإسرائيلية على فرق كرة القدم الفلسطينية قد زادت في السنتين الاخيرتين.

بالمقابل، فقد اشارت شخصية رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى ان الرجوب يقوم بتحريك هذه العملية من خلال دوافع سياسية داخلية، ليس لها علاقة مطلقا بكرة القدم. «بالنسبة للرجوب فان كل موضوع كرة القدم هو مجرد منبر سياسي»، واضاف «هو يريد ان يخلف الرئيس عباس في قادم الايام، وهذه الخطوة ضد إسرائيل في مجال كرة القدم هي الفرس الذي يمتطيها».

كما اشار شخص رفيع المستوى في وزارة الخارجية بانه وحسب النظام الداخلي للفيفا، فمن اجل المصادقة على التجميد يتطلب الامر اغلبية 75٪ من المندوبين الحاضرين. معنى هذا الامر ان الفلسطينيين سيجدون صعوبة بالغة لتجنيد اغلبية كبيرة كهذه في اتحاد كرة القدم تدعم موقفهم. ومع ذلك الامر يتعلق بعملية شبه سرية في نهايتها لا يتم الكشف عن من ايد القرار ومن عارضه. الامر الذي لا يزيد من الارتياح في اسرائيل.

وقد اشار ذلك المصدر إلى انه سيكون هنالك تداعيات خطيرة لتجميد عضوية إسرائيل في الفيفا، واشد بكثير من الضرر الذي سيلحق بفرق كرة القدم الإسرائيلية. ان خطوة كهذه، حسب رأيه، من شأنها خلق سابقة ستشجع القيام بخطوات مشابهة في المنظمات الدولية الاخرى وتسريع فرض مقاطعات على إسرائيل.

في 31 اذار عقد مدير عام وزارة الخارجية نسيم بن شطريت جلسة حضرها عديد من المشاركين ومنهم رئيس اتحاد كرة القدم الإسرائيلي عوفر عيني، ومندوبين عن منسق الاعمال في المناطق وجهات اخرى، وذلك من اجل الاعداد لاحباط الخطوة الفلسطينية او النجاح في التصويت اذا فشلت كل الجهود لمنعها. في نهاية النقاش ارسلت برقية سرية إلى سفراء إسرائيل في شتى ارجاء العالم واعلن بها عن «التجنيد الكامل لكل الممثليات». وطلب من الدبلوماسيين الإسرائيليين «استغلال علاقاتهم وقدراتهم الشخصية والمهنية» من اجل احباط هذا المسعى.

منذ ذلك النقاش ينشغل مئات الدبلوماسيين الإسرائيليين بالخطوة الفلسطينية في الفيفا. في كل اسبوع يعقد اجتماع لطاقم برئاسة القائم باعمال مدير عام وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية الجماهيرية، يوفال روتم، والذي يشارك به ايضا ممثلون عن اتحاد كرة القدم وعن منسق الاعمال في المناطق.

في 2 نيسان ارسلت برقية سرية اخرى لكل ممثليات إسرائيل في العالم، تم بها توجيه السفراء والقناصل العامين لمقابلة او التحدث تلفونيا مع الوزراء المسؤولين عن الرياضة ومع رؤساء اتحادات كرة القدم في الدول المسؤولين عنها. وقد طلب من الدبلوماسيين الإسرائيليين نقل رسالة بان الخطوة الفلسطينية ليس لها علاقة بالرياضة بل بالسياسة واستهدفت خلق انقسامات ومواجهات بدلا من التعاون الرياضي، ولهذا على كل اتحادات كرة القدم في العالم معارضتها.

واشار شخص رفيع المستوى في وزارة الخارجية إلى ان الطلب الفلسطيني بتجميد عضوية إسرائيل بسبب نزاعا سياسيا هي سابقة في تاريخ الفيفا. «لم يكن هنالك مطلبا كهذا ضد أي دولة حدث فيها نزاع عنيف»، وأضاف «أوضحنا لكل من تحدثنا معهم انه ليس هنالك امكانية ان تكون إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي يتم فرض خوة كهذه ضدها».

الى جانب الجهود الدبلوماسية لتجنيد دول للتصويت ضد الاقتراح الفلسطيني، بدات وزارة الخارجية ومنسق الاعمال في المناطق بمعالجة كل الادعاءات التي طرحها الرجوب وذلك لتحويلها إلى غير ذات علاقة إلى حين اجتماع مؤتمر الفيفا. وهكذا على سبيل المثال تقرر التسهيل بقدر الامكان على تنقل اللاعبين من غزة إلى الضفة الغربية وبالعكس وتمكين فرق من العراق والبحرين وماليزيا من الوصول إلى رام الله في الاسابيع القريبة المقبلة.

بالمقابل، من فحص مكان استاد «تدي» تبين أنه خلافا لادعاءات الرجوب فانه موجود داخل مناطق الخط الاخضر. واشارت شخصية في وزارة الخارجية إلى ان هذه المعلومات نقلت مؤخرا إلى الفيفا.كما تم نقل معلومات إلى الفيفا وإلى اتحادات كرة القدم في العالم نستعرض الخطوات التي تم اتخاذها في إسرائيل ضد العنصرية في الرياضة. «وحتى اننا اخبرناهم ان بيتار القدس عوقبت بخصم نقطتين منها بسبب العنصرية».

كما وزعت وزارة الخارجية على الممثليات استعراضا استخباريا عن الاسباب التي ادت إلى قيام جهاز الامن العام «الشاباك» بمنع دخول او خروج لاعبين فلسطينيين بسبب تورطهم في نشاطات إرهابية، وعن كل استغلال المنشآت الرياضية الفلسطينية خاصة في غزة في اطلاق الصواريخ وتخزين الوسائل القتالية.

في اطار الجهود لاحباط المسعى الفلسطيني في الفيفا اعدت وثيقة «تشويه» ضد الرجوب تحتوي على معلومات عن نشاطات وتصريحات مناوئة لإسرائيل من بينها تصريحات تقترب من التحريض على العنف. في هذه المرحلة اتخذ قرار بعدم القيام بحملة سلبية شخصية ضد الرجوب ولكن سيتم القيام بهذه الخطوة اذا لم يتم ايجاد حل للازمة في الايام القريبة.

الادعاء الفلسطيني الذي تجد في وزارة الخارجية صعوبة في التعامل معه يتعلق بفرق كرة القدم من المستوطنات. وقد اشارت تلك الشخصية الكبيرة إلى ان هذه مسألة سياسية حساسة بشكل خاص ولهذا طلب من الدبلوماسيين الإسرائيليين ان يوضحوا في محادثاتهم التي سيجروها بان هذا الخلاف سيحل فقط خلال اتفاق السلام العتيد بين إسرائيل والفلسطينيين.

قبل عدة ايام اقيم في زيوريخ لقاء ثلاثي بين رئيس الفيفا بلاتر والرجوب وعيني انتهى بدون نتائج. في اعقابه قرر بلاتر ان ياتي بعد اسبوع وفي 19 ايار إلى إسرائيل والى السلطة الفلسطينية. وسيقابل رئيس الحكومة نتنياهو والرئيس الفلسطيني عباس وسيحاول ايجاد حل للازمة.

شخصيات رفيعة المستوى في وزارة الخارجية اشارت إلى ان التقارير التي تصل من ممثليات إسرائيل في العالم بخصوص الاتصالات مع رؤساء اتحادات كرة القدم تشير إلى ان الفلسطينيين لن ينجحوا في الحصول على الاغلبية المطلوبة. الرد الذي تلقاه دبلوماسيون إسرائيليون في دول العالم تضمن معارضة لكل خلط للسياسة في نشاطات الفيفا. «تقديرنا هو أن الرجوب سيستغل هذا الموضوع حتى اللحظة الأخيرة وعندها سينسحب عند اللحظة الأخيرة» قالت شخصية كبيرة في وزارة الخارجية و أضافت: «إنه لا يرغب في الخسارة في التصويت و لهذا سيقول أنه حصل على ما يريد و أن إسرائيل قد تراجعت».

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى