الميدان يسخن عملياتيا مع بدء ظهور ملامح الهجومات الاوكرانية المدعومة من الغرب: احمد حاج علي
يشهد الميدان تسخيناً عملياتياً متواصلاً مع بدء ظهور ملامح الهجومات الأوكرانية المضادة المدعومة من الغرب الجماعي.
وفي هذا الإطار لا بد من الأخذ في الاعتبار التكتيك الميداني، الذي اتبعته القوات الروسية في الأسابيع والأشهر الماضية، خصوصاً في معركة أرتيوموفسك-باخموت، التي أطلق عليها مصطلح “مفرمة” باخموت.
فقد عمدت القوات الروسية إلى استدراج القوات الأوكرانية لزج المزيد من إمدادات الدعم الغربي، التي تلقتها في معركة باخموت، التي أصبحت محرقة لهذه الإمدادات.
وخلال الأيام القليلة الماضية وصولا إلى اليوم، تحاول القوات الأوكرانية استهداف أجنحة مواقع القوات الروسية، التي أصبحت تسيطر على ٩٤٪ من باخموت أو أرتيوموفسك، حيث يتركز الهجوم الأوكراني المضاد في هذا الاتجاه على عدة محاور: شمالاً وشمال-غرب وجنوب-غرب. وأهمها الاتجاه الشمال-الغربي انطلاقاً من قرية خروموفا، التي كانت المنفذ الأخير لوصول الدعم الأوكراني إلى المدينة المنهارة دفاعاتها.
خط الإمداد الأوكراني الأخير هذا أصبح مقطوعاً، وأظهرت مشاهد من الميدان محاولات أوكرانية يائسة لعبور آليات الدعم تحت النيران المدفعية والرشاشة الروسية الثقيلة.
وقد دفعت تطورات تكتيكات الهجوم الأوكراني المضاد باتجاه باخموت قوات فاغنر، رغم تكبدها خسائر كبيرة وتقديمها تضحيات جسيمة، لتنفيذ عمليات اقتحام هجومية نوعية عاجلة للسيطرة على آخر معاقل القوات الأوكرانية في المدنية. وهي عملياً خمس بؤر: الأولى شمال شرق المدينة، وهي أصبحت مدمرة تماما. البقعة الثانية، وسط شرق المدينة، وهي كذلك عملياً منتهية. أما النقطة الرابعة في الوسط والثالثة في غرب مركز المدينة والخامسة جنوب-غرب المدينة، فيجري العمل على تطهيرها تماما، كما هو واضح في خريطة الوضعية المرفقة. بيد أن نقطة رقم ٣ كما يبدو هي الأصعب.
وقد أعلن قائد قوات فاغنر يفغيني بريغوجين أول من أمس أنه لم يبق أمام قواته سوى نحو كيلومترين ونصف لإكمال السيطرة الكاملة على المدينة. وخاصة أن السيطرة على المدينة تمنح القوات الروسية حرية تحرك أوسع، وتسمح لها بالتعامل بفعالية أكبر مع الهجومات الأوكرانية المضادة على المحاور كافة، ولا سيما أن محاور اتجاه باخموت أصبحت متصلة بمحاور اتجاه سيفيرسك، وسلافيانسك وتشاسوف يار، التي تلقت اليوم ضربات صاروخية وجوية كانت الأعنف منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. وبذلك تأمل القوات الروسية بالحد الأدنى صد الهجوم الأوكراني المضاد واستيعاب تأثيراته وإفشاله، وهي قد تتمكن من إيقاع تلك القوات في فخ محكم ومحاصرتها. لذلك هي بحاجة لتحرير باخموت، الأمر الذي يمنحها حرية مناورة في الاتجاهات المحيطة كافة.
يجب القول إن الخسائر التي تكبدتها القوات الأوكرانية على المحاور كافة خلال الأشهر الماضية خصوصاً في “مفرمة” باخموت، استنفدت الى حد بعيد قدراً كبيراً من قدراتها القتالية وشحنات الدعم الغربية التي كانت تصلها.
وبذلك، فإن هجماتها المضادة الحالية بدأت تأتي أضعف مما كان تريده كييف ويريده الغرب الجماعي منها.
هذا، وبالانتقال إلى محاور الجنوب، فإن الهجوم الأوكراني المضاد المتوقع على مقاطعة زاباروجيا قد يخرق خط الدفاع الروسي الأول، من دون أن يحدث تغييراً جغرافياً مؤثراً في مسار التموضع والسيطرة. وقد دعا القائم بأعمال رئيس المقاطعة نحو سبعين ألفًا من السكان المحاذين لخط الجبهة إلى المغادرة إلى اماكن أكثر أمانًا في الداخل الروسي، وذلك لإفساح المجال أمام القوات الروسية للتصدي للهجوم الأوكراني المضاد، الذي قد يطال المدنيين. كذلك، فقد تم إجلاء المدنيين من خطوط الجبهة الأمامية في مقاطعة خيرسون، لتصبح تلك المناطق ميادين عمليات عسكرية ساخنة.
أما محاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واستهداف الكرملين فيأتيان في سياق تصعيد الغرب الجماعي المستمر بسبب فشل دعمه العسكري غير المسبوق في تغيير التموضع الميداني، وإدراكه أن كل هذا الدعم لن ينجح في تمكين القوات الأوكرانية في تنفيذ هجوماتها المضادة الربيعية الموعودة بنجاح.
على صعيد متصل بتكتيكات عمليات قوات فاغنر:
أولاً، أكدت وزارة الدفاع الروسية أمس أن وحدات قوات فاغنر الخاصة ستتلقى كل ما هو ضروري لها لمواصلة العملية في أرتيوموفسك، التي أحرز فيها “موسيقيوها” نجاحًا باهراً.
إذ إن قوات فاغنر عمدت إلى استهداف المناطق المرتفعة والأبنية العالية (على الخريطة – البقعتان رقم 1 و رقم 3) في الاتجاه الشمالي والشمالي- الغربي، ما يقطع عملياً احتمالات قيام القوات المسلحة الأوكرانية بتزويد بقايا حامية المدينة من الغرب.
ثانيًا، فقدت القوات الأوكرانية أمس تمامًا السيطرة على البقعة رقم 4 (على الخريطة)، ما سمح لوحدات قوات فاغنر بتنفيذ مزيد من العمليات الهجومية في اتجاه شارع بولاڤين، الذي تسمح السيطرة عليه للقوات الروسية بالوصول إلى ضواحي المدينة الغربية. وتستخدم قوات فاغنر في هذه العمليات مضادات الدروع بكثافة، حيث نجحت في تدمير معظم الآليات الأوكرانية في أوكرانيا على طول خطوط المواجهة.
فيما يتعلق بالتقارير الميدانية خلال الأيام القليلة الماضية فإنها تفيد بأن القوات الأوكرانية كانت تحاول استطلاع مواقع تموضع القوات الروسية شمال المدينة، في محاولة لاكتشاف نقاط ضعف الدفاعات الروسية حيث يوجد “مظليو تولا” (القوات الخاصة المظلية الروسية)، ما يشير إلى أن قيادة القوات المسلحة الأوكرانية، على الرغم من التوقعات الجوية غير المؤاتية بسبب هطول كثيف للأمطار، فإنها قد تغامر في شن هجوم والدخول في معركة مباشرة مع قوات فاغنر الخاصة والقوات الروسية المحمولة جوا شمال تلك المرابطة في شمال أرتيوموفسك انطلاقاً من سيفيرسك.
أما اليوم ٨ أيار، فقد وجهت القوات الروسية ضربات مكثفة غير مسبوقة لمواقع التأمين والدعم الخلفي للقوات الأوكرانية بصورة متزامنة مع تنفيذ هجوم ساحق لإنهاء معركة أرتيوموفسك والسيطرة الكاملة عليها.
وعلى الرغم من كل ما ورد وتسرب من مشادات لفظية بين رئيس شركة فاغنر للقوات الخاصة ووزارة الدفاع الروسية، فإن “الموسيقيين” (أي قوات فاغنر) يواصلون هجومهم العاصف المحكم في أرتيوموفسك، حيث شهدت الليلة الماضية قصفاً مدفعياً وصاروخياً وجوياً غير مسبوق استهدف ما تبقى من حامية القوات المسلحة الأوكرانية في المدينة المناطق المحيطة بها.
إلى ذلك، فقد عمل سلاح الجو الروسي والمدفعية الروسية في اتجاه جنوب زاباروجيا وخيرسون بقوة فائقة مستهدفاً أماكن تجمعات القوات المسلحة الاوكرانية المتأهبة لشن الهجوم المضاد الموعود.
فالجانب الأوكراني لا يزال يهدف لتسجيل نصر معنوي بالتشويش على ذكرى النصر على النازية في سنة 1945، لكن الجانب الروسي بصدد تأكيد العزم على النصر على النازية الجديدة في ذكرى أعياد النصر على النازية القديمة.
احمد حاج علي