تركيا خابور أطلسي في قلب المشرق
غالب قنديل
لسنا في وارد الترويج لإحياء الحروب والعداوات العربية التركية – القديمة المتوارثة عن عهود غابرة أرهقت فيها بلداننا جرّاء النير العثماني والعسف الانكشاري الذي استنزف البشر والموارد في أبشع احتلال لصوصي شهدناه وتعرضنا له كعرب وكمشرقيين في العصر الحديث.
تركيا الجديدة بعد الحروب الكونية اختارت التّخندق في حلف الناتو ومحوره العسكري والسياسي على قاعدة راسخة من التبعية والارتهان للهيمنة الأميركية الأوروبية الكاملة، التي يعمّدها الانتماء الى حلف الناتو كإطار ناظم لصيغة راسخة وعضوية من الخضوع السياسي والهيمنة العسكرية والأمنية.
عضوية الناتو تضمن وتيسّر خضوعا تركيا شاملا للمشيئة الأميركية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وحيث يستتبع ذلك انخراطا تامّا في شتّى دوائر الحركة والفعل، التي ترسمها الولايات المتحدة وتقرّرها تبعا لخططها الإجمالية العامة.
قناع الاستقلال التركي وصورة التورّم الاقتصادي الوظيفي، لا تنقض ولا تنفي الاستتباع الأميركي الغربي، الذي تكشفه وتميط اللثام عنه حقيقة اختيار الكارتيلات الاحتكارية الغربية العملاقة لتركيا، بوصفها موطئا مشرقيا لتجميع وتسويق السلع والمنتجات بكلفة أقل، وفي مواضع أقرب الى أسواق الاستهلاك المستهدفة.
آليات الهيمنة مصمّمة في ديناميتها لإدارة الوكالة التركية الإقليمية، بصورة تعزّز رواج منتجات الاحتكارات الغربية العملاقة، وتعزّز من هيمنتها على الأسواق، حتى لو ارتضت تقسيما للكعكة مع الوكيل الإقليمي تحت غطاء حقوق التصنيع، بمسمّيات محلية لمعدات وآلات، تُمنح امتيازات ووكالات تصنيعها وتسويقها لعملاء محليين، وتُؤجّر براءات ابتكارها.
الوظيفة الاقتصادية التجارية التركية، هي قرينة وظيفة سياسية وأمنية تحتّمها عضوية تركيا في الناتو، وتستتبعها شراكتها مع الدولة العبرية، وهي شراكة تامة ومتنامية أمنيا وعسكريا وسياسيا منذ عقود، باتت تتغطّى وتستتر معنويا وسياسيا بغلالة التطبيع العربي الصهيوني، التي هشّمت أسوار العداوة والإدانة الأخلاقية والمعنوية لكلّ تعامل مع الدولة العبرية.
تركيا هي الخابور، الذي اختاره الناتو لتسويق وتسويغ أنماط الشراكة والتعامل مع الكيان الصهيوني وترويجها، ولا بدّ من الاستدراك، بالإشارة الى أن الغرب الاستعماري، تعمّد تيسير الشوط التركي بأسبقيات عربية نافرة من التعامل والتعاون والشراكة مع الكيان الصهيوني، لضمان تداعي جدران التحريم الأخلاقي والمعنوي وانهيارها تحت شعارات التطبيع، منذ اتفاقات كمب ديفيد المشؤومة، وما تبعها في الدوائر القريبة والساحات البعيدة جغرافيا من فلسطين السليبة.
الوظيفة التركية الاقتصادية والسياسية والأمنية في المنطقة ترتبط عضويا بدوام الهيمنة الغربية واستمرارها وتجدّدها، وهي لا تنفكّ عنها ولا تنفصل. فتركيا باقية بوصفها خرقا أطلسيا وخابورا استعماريا غربيا في قلب المشرق، تُبنى عليه وحوله دوائر نفوذ وشبكات مصالح واستخبارات وتجسّس معقودة اللواء والقرار عند السيد الأميركي الأطلسي، وكلّ ما خالف ذلك وهم خالص وخيال محض، من صنع بؤر الأوهام المرضية والفرضيات الساقطة المنافية للواقع الفعلي جملة وتفصيلا..
تركيا دولة تابعة مُستتبعة تحت الهيمنة الأميركية الأطلسية، تُعطى هامشا ودورا، أُهّلت له، وتزوّدت بكلّ مستلزماته ومكوّناته المادية والمعنوية، وأولها استحضار المكر العثماني من جعب التاريخ السحيقة، وعبر الأقنعة المواتية للتسويق والخداع.