كفرقاسم :حرائق الجليل ورعب الصهاينة
غالب قنديل
بين عمليات الدهس وإطلاق النار ورمي القنابل يرتسم قوس الفعل المقاوم، الذي يتفجّر بالسواعد الفتية، بعد أن يغلي في صدور وعقول الشباب الفلسطيني، الذي يعيش مخاض نهضة وطنية بانبثاق مقاومة جديدة ضدّ الاحتلال الصهيوني الاستيطاني الغاصب، وبعد طول احتمال وصبر صامت، بات الغضب الكامن يتفجّر ثورة عارمة، تجتاح الأرض المحتلة، وتهزّ الدولة العبرية بل تزلزلها.
سواء كان الفتى الشهيد، الذي زفته كفرقاسم، ظاهرة منفردة ومعزولة أم جزءا من حالة جديدة، تشكّلت وانبثقت بها مقاومة من خارج القوالب واليافطات، فالأكيد أننا نشهد سياقا ثوريا سيتواصل، ويحمل المزيد من العمليات والأبطال. وهذا هو المسار الجديد للحدث الفلسطيني وللصراع داخل الأرض المحتلة بين الغاصب الصهيوني والشعب الفلسطيني.
عندما يتحرك فتيان فلسطين ضدّ الاحتلال، ويفجّرون الغضب بعمليات مقاومة تهز الكيان وتزلزله بوسائلهم وأدواتهم، فإن جديدا يرتسم ويُكتب في سياق هذا الصراع المستمر المتمادي منذ عام النكبة، ولكلّ ولادة جديدة مخاضها وآلامها. والرواية الصهيونية لتفاصيل الاشتباك تكشف حقيقة تلك المقاومة الجديدة، التي انبثقت من معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والقهر.
عقود مضت وانقضت من عمر العمل الفدائي والطلقات الأولى منذ ستينيات القرن المنصرم، لكنّ اعتمال الوعي وحسّ الرفض والمقاومة لم يخبو بتقادم الزمن ولا بتعاقب النكسات والإحباطات، التي تكنسها كل ولادة جديدة للفعل المقاوم بلا عناوين ويافطات قرب الركام الهائل لمخلّفات عقود منصرمة.
فوج جديد من رسل الرفض الفلسطيني للأمر الواقع الصهيوني الغاصب، يمهر فعله المقاوم ببصمة خاصة وسمات تميّزه، فيطلق مسار عملياته، ويحفر بالنيران توقيعه على جدار الحدث الجاري في قلب فلسطين، حيث امتدّ فعله بتداعياته مشعّا في سائر أنحاء الشتات الكبير.
الكيان الغاصب في حالة ارتعاب وذعر نتيجة هذا الغليان العظيم، ولأنه بالتحديد في قلب فلسطين المحتلة عام 48، حيث توهّم المحتلون، بتعاقب الصفقات والاتفاقات، أنهم نجحوا في اخماد جذوة الرفض والثورة بتعميم الإذعان والاستسلام والرضوخ للأمر الواقع القاهر والمفروض.
منطق الصراع لا يخبو ولا يخمد، ونيران الثورة ستنهض أجيالا من الفدائيين، الذين يتوسّلون أسباب القوة، ويجترحون الأدوات والسبل، التي لا يملك الغاصبون القدرة على إعدامها أو التحكّم بها، وهذه السنّة التاريخية العصيّة على الصدّ والردّ أو الكسر سوف تفرض نفسها ضمن سياق تاريخي لتطور العمل الفدائي، سيكون هو المسار الغالب في سياق الأحداث.
لا اتفاقات العار مع القيادات المستسلمة ولا ضمانات الحلف الاستعماري الغربي يمكن ان تفلح في صدّ الرفض الفلسطيني لواقع الاغتصاب والاحتلال، وهي لا تهب مشروعية لجرائم العصابات الصهيونية المتمادية منذ عقود.
الرعب الصهيوني الظاهر من مخاطر صعود العمليات الفدائية واتساعها سوف يتعاظم كلّما توغّل الحدث الفلسطيني في دوائر اشتباك وصراع، تنتج مزيدا من أفواج الفدائيين المقاومين القادرين على الابتكار والإبداع وانتزاع زمام المبادرة من يد العدو وآلته العسكرية المدجّجة بأحدث منتجات الغرب الاستعماري وتقنياته الحربية، التي يحصل عليها الصهاينة أحيانا قبل العديد من دول الناتو، كما تفيد التقارير والمعلومات المتداولة عبر وسائل الإعلام الغربية.