سورية وإيران والشراكة المصيرية
غالب قنديل
تتناقل وسائل الإعلام العالمية والاقليمية تقارير متواترة عن تراكم المشكلات وتوسّع وجوه المعاناة المعيشية الخانقة التي يعيش السوريون تحت وطأتها بفعل الحصار والعقوبات المفروضة على البلاد. وإذا كان السؤال الواجب يطرح نفسه عن نخوة الأصدقاء والحلفاء، فأول المتبادر سؤال عن إيران وإمكاناتها وقدراتها في إسعاف الحليف الذي لم يقصّر سياسيا ولا عمليا في نجدة إيران خلال مراحل ضيق وحصار، منذ فجر الثورة وطوق الخنق الاقتصادي الذي ضرب من حولها لكسر إرادة التحرّر والاستقلال.
نتذكر وقائع ويوميات من تلك المرحلة عمّا فعه السوريون بتكريس مخرجات معاملهم وحاصل منتوجهم لفكّ الضيق الإيراني، وأي جهود تعبوية كرّستها القيادة السورية لتعميم نفير وطني شامل تحت عنوان نجدة الحليف المحاصر. تلك الوقفات كانت محفّزة مدفوعة بنخوة مبدئية لا تشوبها منفعة أو مصلحة، بل غلبها الدافع المبدئي والحافز الأخلاقي.
هكذا أرسيت ركائز التحالف وعلاقات الأخوة السورية الإيرانية التي تعمّقت وتطورت، وطالت ميادين وحقولا كثيرة في الاقتصاد والسياسة والأمن والدفاع، ترسّخت وعمّ مردودها مختلف ميادين المنطقة وساحاتها على سمت التناقض الرئيسي والصراع الوجودي ضد الكيان الصهيوني وظهيره الحلف الاستعماري الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
عندما تشدّ واشنطن الخناق على السوريين وتنذرهم بأوخم العواقب نتيجة عنادهم في الموقف الصلب الرافض للرضوخ أمام الشروط والإملاءات، فمن البديهي أن نسأل عن موقف إيران وما تفعله لنجدة سورية بفعل موجب شراكة المصير الراسخة منذ عقود، والتي صمدت وتسامقت في أصعب الظروف، ونتوقع لها المزيد من النمو والثبات.
خطوط الشراكة والتعاون بين سورية وإيران مستمرة معافاة، وهي تتطور وتنمو بوعي وبإرادة مشتركة على مقلبيها، ولا تنفكّ القيادتان تؤكدان مصيرية الخيار لصالح البلدين ونموهما في سائر المجالات والميادين، ونزيد حقيقة، تؤكدها للدارس الحصيف، قراءة واقع المنطقة، حيث يتّضح لمن يدقق أن هذا الحلف السوري الإيراني مؤهّل للتطور والتقدم وإعادة تشكيل المنطقة ورسم مساراتها.
بين سورية وإيران وكلٍّ من لبنان والعراق تشابكات تاريخية سكانية وثقافية واقتصادية وسياسية لا يمكن تجاوزها، ولا تخطّي فعلها التاريخي المتمادي. وهذا ما تظهره أيّ دراسة معمّقة لمسار تطور العلاقات والتشابكات، مع التنويه الواجب والمستحق بما مثّلته فلسطين تاريخيا، مركزا متجدّدا لنزعة التحرّر والمقاومة في الوجدان الشعبي الجمعي.
ليس إشعاع الجمهورية ووهجها فحسب، حاصل ما جسّده التشيّع كقاعدة للتماهي مع المناخ الثوري الخميني من رابط ثقافي وعنصر اجتماع على نزعة التحرّر من الاستعمار، منذ قيام ونهوض وانتصار الثورة الإسلامية في إيران وصولا الى قيام الجمهورية ونهوضها كدولة تحرّرية.
فوق الحسابات والعصبيات تقوم الشراكة السورية الإيرانية على ركائز التحرّر من الهيمنة والعدوان، ورفض الإذعان والخنوع لمشيئة المستعمر. وسورية العربية المعتزّة بقوميتها تلاقي بكل الانفتاح والأخوة والاحترام إيران الإسلامية وجمهوريتها الثورية المتجدّدة في شراكة مصيرية تعمّ بفائض خيرها كلّ المنطقة وأقطارها، وفي القلب فلسطين.