فلنتحدث أولا عن فضل المقاومة وتضحياتها
غالب قنديل
الجدالات والسجالات الجارية بشأن العلاقة مع حزب الله، بما يمثّل من قوة سياسية ووزن شعبي، تدور في منطقة فراغ جغرافي واستراتيجي، وكأن النقاش يتعلق بتحالف سياسي عادي في ظروف عادية داخل بلد عادي بعيدا عن القضية الجوهرية المتمثّلة بالصراع مع العدو الصهيوني، وما يرتّبه من التحديات والأخطار المصيرية على البلاد والناس بدون أي استثناء.
إنه قدر الجغرافية والتاريخ الذي لا يملك أيٌّ كان طاقة على التحكّم به وتبديل مساره أو تعديل نتائجه ومترتباته. وهذا أمر خارج مصنّفات الفرادة اللبنانية، بل هو قانون طبيعي واستراتيجي، يسري على سائر الدول والبلدان.
من حقّ القوى والأطراف السياسية أن تزين التحالفات بمعيار المردود والجدوى الذاتية والفئوية. وهذا هو الدارج والمعتمد سياسيا وحزبيا في التعامل المتبادل على مستوى العلاقات التحالفية، ولكن من واجب سائر القوى والأطراف أن تضع المعيار الوطني السيادي في مقدمة حساباتها واعتباراتها، خصوصا في بلد كلبنان، يواجه الخطر والتهديد الصهيوني العدواني باستمرار.
الأطماع الصهيونية في الأرض والمياه اللبنانية معروفة وقديمة، وهي بيّنة لكلّ من يتابع ويمحّص في المواقف والخلفيات، ويستقرئ الظاهر والمبطّن من نوايا وخطط الكيان الصهيوني اتجاه لبنان. والبديهي وطنيا هو التحفّز لصدّ العدوانية الصهيونية وتحصين أسباب القوة والمناعة الحامية لبنانيا.
انطلقت المقاومة كقوة تحرير في بلد حكم نظامه على جيشه الوطني بالضعف والوهن، وبالكاد يستذكره القادة والرؤساء في العراضات والتشريفات. وقد عاملوه مثل قوة بروتوكولية رمزية بلا دور أو مغزى وبالكاد يتذكرونه في حشرة التحديات الأمنية، التي توجب استحضاره بفعل قصور قوى الأمن الداخلي.
انبثاق المقاومة وتعاظمها كان نتاج فعل وجوب الدفاع عن الوطن في ظلّ الكساح المدبّر لقوة الدفاع المفترضة وجوبان أي الجيش الوطني الذي حجز في عنابر التشريفات والمراسم الاحتفالية، ونُحّي عن موجب الدفاع الوطني وعن البرّ بالقسم.
في ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة حلٌّ لمعضلة انفصامية تكوينية في النظام اللبناني بالبعد الثالث، الذي أدخله حزب الله وعمده بتضحيات جسام ومعارك مصيرية، وبثبات قوة الردع التي تمنع العدوان الصهيوني وتسيج البلد وتمدّه بالأمان والاستقرار على مدى عقود متواصلة.
في أعقاب عقود مضت لم يعد جائزا ولا ممكنا تجاوز ما مثّلته المقاومة في توفير حصانة الدفاع الوطني إزاء عدو شرس متشعّب الأطماع متوثّب للعدوان والاحتلال، يسعى باستمرار لتطوير طاقته العدوانية المضمرة والكامنة بمعونة أميركية غربية ظاهرة ومعلنة.
لقد استجابت المقاومة للتحدّي بكلّ كفاءة وثقة، فطورت مقدّراتها وانتقلت من جدارة الدفاع الى ثبات الردع القاهر، الذي يذعن العدو لفعله الحاسم، ويعترف جهارا بتأثيره النوعي في التوازنات الإقليمية ومعادلاتها. هذه المقاومة لم توفّر سبيلا لاكتساب الخبرات والتقنيات وتوطينها في صفوف جيش مقاتل، بات يمثّل درعا وطنيا حاسما، وهو لا ينفكّ يقتبس المزيد ويبني عليه قدرة وكفاءة، وهذا الإنجاز لم يكن ليتحقّق لولا التضحيات الهائلة التي قدمها المقاومون، والجهود الاستثنائية التي بذلوها.