التعديل الدستوري المستحق لكسر الحلقة المفرغة
غالب قنديل
لم يعد جائزا ولا مستساغا أن يعلق لبنان في عنق الزجاجة كلما حان موعد الاستحقاق الرئاسي بانتظار ما تنجلي عنه حبكة الاتصالات والخيوط الدبلوماسية والسياسية وما تفضي اليه المداخلات الخارجية من تفاهمات ونتائج.
يتلقف المجلس النيابي وظيفته ودوره في الانتخابات الرئاسية لتظهير المكتوب والمرسوم في كواليس وأقبية التخطيط الأجنبية. بينما الأوجب أن يكون اختيار الرئيس اللبناني كموقع سيادي أول حاصل تفاهمات لبنانية شعبية وسياسية فيأتي الرئيس حاملا لإرادة وطنية سيادية لا تشوبها مداخلات ولا ضغوط.
إن إخراج المخاض الرئاسي من حلقة المطابخ الدبلوماسية وجوقة السفراء والقناصل يفترض التفكير جديا في خيارات التعديل الدستوري، التي تضع حقّ الاختيار بيد مصدر السلطات المفترض أي الشعب، ولتكرس الأعراف بنصوص دستورية صريحة لجهة التوزيع الطائفي لمناصب الدولة العليا. وكفى مواربة وتحايلا على الناس تحت أغطية التعفّف الوطني وقناع كره الطائفية المزعوم.
فلتكرّس دستوريا وبالنص طائفية المناصب الثلاثة العليا رئاسيا، أي رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، كما هي معتمدة حاليا. وكذللك فليحدّث النصّ الدستوري المتضمّن طائفة نائبي رئيسي مجلس النواب والوزراء الى جانب الرئاسات الثلاث، وكفى دجلا وانفصاما.
بالتوازي، يُفترض أن يصار الى سنّ قانون لإنشاء مجلس الشيوخ، وتحديد ولايته وصلاحيته الدستورية، وتثبيت قاعدة اختيار رئيسه تواترا بين الطائفتين الدرزية والأرثوذكسية، وصلاحياته التي لا تتخطّى سقف صلاحية رئاسة المجلس النيابي، التي هي رئاسة المؤتمر الوطني الجامع للنواب والشيوخ بداهة بالتزامن مع انتخاب أول مجلس نيابي خارج القيد الطائفي.
هذه الإصلاحات الهيكلية في النظام اللبناني أرجئت تهيّبا لعصف التغيير وصداه ومدى التفاعلات التي قد يطلقها ويثيرها في الواقع السياسي والمؤسساتي، وما قد يجلب من نتائج وتأثيرات وانعكاسات. علما أن تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي مع اعتماد النسبية والدائرة الواحدة، سيكون بمثابة ثورة في الحياة السياسية، تطلق العنان لنشوء الأحزاب والقوى والتكتلات الوطنية العابرة للطوائف والمناطق.
ستبقى الطوائف والمناطق، بالمقابل، سارية التأثير في التمثيل والاختيار لانتخاب الشيوخ. وتدريجيا من البديهي أن يمتدّ التشكّل والانتظام السياسي غير الطائفي الى المجلس المُحدَث، تساوقا مع التموضع على النطاق الوطني حول القضايا والعناوين المحورية في الحياة الوطنية العامة.
إن التردّد في القيام بهذه الحركة الدستورية الواجبة، سيعني ترك البلد في أسر العصبيات والتخلّف المؤسساتي والسياسي، بدلا من إحداث نقلة حضارية، تدفع بنا الى الأمام في جميع المجالات والميادين السياسية والتشريعية، ويمكن أن تُنتج واقعا وطنيا أكثر تماسكا وصلابة وديمومة بعيدا عن النفاق والتلصيق المصطنع بأغلفة الرّياء والمخادعة.