التفاهم ميثاق شعبي أبعد من إطاره الحزبي
غالب قنديل
يشغل الاختلاف الطارئ بين حزب الله والتيار الوطني الحر حيزا كبيرا من الاهتمام السياسي والشعبي، بقدر ما مثّل التفاهم المعقود بين الجانبين، منذ انبثاقه وإعلانه وتوقيعه، عنصر أمان وضمان استقرار في تحالف وطني، وسّع المدى الحيوي لطرفيه شعبيا وسياسيا، وانعكس على توازن القوى السياسي والميداني العام في البلاد، فأرسى دعائم معادلات جديدة، وعدّل قواعد الصراع والاصطفاف السياسي والمجتمعي.
منذ توقيع التفاهم، باتت المقاومة محمولة ومتبنّاة كخيار وطني مبدئي داخل أوساط شعبية وسياسية أوسع من حدود قاعدتها الجماهيرية المباشرة ومناطق انتشارها التقليدية. وقد كان للتيار الوطني الحرّ فضل المصداقية في تحقيق هذه النقلة، التي تحصّنت بمصداقية السيد نصر الله وسحره الشخصي، وبجاذبية كارسمية يقرّ بها الخصوم قبل الأصدقاء.
تفاهم مار مخايل الذي وقّع بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ لم يكن مجرد اتفاق بين المؤسسات الحزبية، بل إن بذرته تشكّلت ونمت بين الناس، وفي تواصل طبيعي بين جمهوريّ الفريقين بحرارة اتصال وتناغم أجّجتها التحديات المشتركة على مفترق مصيري حتم التلاقي والتفاهم.
اتخذ التفاهم بعدا واكتسب عمقا على المقلبين، وصار الفكاك أشدّ صعوبة بعد الروابط والصلات، التي قامت بين الناس، وأطلقت مسارات جديدة من التناغم والموالفة، تخطّت مجاملات الدواوين السياسية والجلسات القيادية المدوزنة.
الناس بفعل وقائع الحياة والعيش الواحد كانوا وما يزالون تواقين لكلّ ما يجمع ويجسّد وحدتهم بدون أي تكلّف أو تصنّع، وذلك هو الميل التلقائي الطبيعي الذي يستشعره المتابع بالتقصّي عند الناس العاديين في المطارح، حيث لا تَكلّف ولا مجاملات ولا كلمات محسوبة.
هذه العلاقة التحالفية التي عمّدتها التجارب لم تعد ملكا لقيادة أو زعامة، بل هي ملك الناس الذين حموها وحصّنوها بكلّ اندفاع وحماس في جميع المحطات السالفة. وكلمتنا لقيادتي الفريقين هي أن أيا منهما لا تملك صلاحية الطلاق. فالأوجب هو وضع الأطر والقواعد التي تتيح إعادة تقويم التجربة واستخلاص الدروس والعبر بدافع التصويب والتطوير ورسم الآليات الناظمة لتطوّر طبيعي، يرتقي بالعلاقة التحالفية ويرسخها، لأن التجربة برهنت على ضرورة تثبيت الشراكة بدلا من استسهال فكّها عند أي مفترق مهما كانت الدوافع والتبريرات.
إن الصدى الشعبي المحبط للاختلاف الحاصل يشير الى ضرورة تجاوزه وتخطّيه بكلّ مسؤولية، وفي أقصى سرعة، ورغم واقعية تخطّي طوباوية افتراض التطابق كلّ مرة في منعطفات الصراع وأمام التعقيدات الطارئة والمحتملة. وهنا تقع مسؤولية التعلّم من التجربة ورسم آلية شفافة لتنظيم الاختلاف وضبطه دون تطلّب التطابق المستحيل. فالاختلاف الصريح والمعلن والنقاش الحضاري بروح الحوار بين الشركاء مع احترام الخصوصيات، هو الطريق الأجدى والأرقى للتعامل مع عارض قد يتكرّر، بل إن الطبيعي تكراره في المستقبل حكما. وسيكون من الضرورة بمكان تطوير الأطر التحالفية ومأسستها، لتستوعب احتواء الاختلافات، ولتطوير النقاش بشأنها تعميقا للوعي ومراكمة الخبرة.