مصداقية الدستوري وحصانة النظام
غالب قنديل
تعيش النظم الديمقراطية المعاصرة سباقا متواصلا لتطوير آليات الطعن والمراجعة وتحصينها بتسويغ التقنيات الأحدث والأوسع انتشارا لتطوير أدوات التصويت والفرز والجمع، بحيث تتوارى الوسائل والأدوات البدائية التي ما انفكّت تطبق على خناق نظامنا الانتخابي وآليات عمله البدائية المتخلّفة.
من حولنا عالم يتغير في نظم الانتخاب وتقنيات التصويت والفرز والإعلان، بينما يتشبّث نظامنا المهلهل بكلّ ذلك الموروث المتورّم من أدوات بدائية قديمة ولّى زمانها حضاريا، رغم انتفاخ خطب الإشعاع والنور والادعاء المتضخّم في جميع خلايا نظامنا السياسي الطائفي المتشوّف على خواء، والمتعالي على اهتراء، فتندثر معه القيم العليا للحق الإنساني غلافا ممزّقا تفضحه الاختبارات والاختلالات، لتسقط مع الفضيحة كلّ أصداء وأوهام الضجيج والانتفاخ والتعالي.
طريق التقدم والتطور بيّن واضح لمن يشاء ويمعن النظر الى واقع الحال ونحو آفاق المستقبل القريب والبعيد، ولا شيء في نظرنا يمنع لبنان من الانتقال الى نظام التصويت الإلكتروني الأحدث في العالم، وإعلان النتائج بالسرعة الأقصى، مع تكريس حقّ الطعن واستعارة أدواته الأحدث والأسرع.
إن النقلة الموجبة في تقنيات التصويت والفرز ستكون وثبة نوعية في الحياة الديمقراطية، وفي أّدوات الإدارة الانتخابية، بعيدا عن الوسائل التقليدية والبدائية التي ولى زمانها، وبات واجبا التخلّي عنها ومقاومة الإدمان المرضي، الذي هو متلازمة تخلّف وعاهة متوارثة، يُفترض العمل بكلّ جهد متاح لإخراج النظام من خناقها وتحريره من قيدها القاتل.
أن ننوّه بجهد الدستوري وإنجازه، فذلك لا يناقض الدعوة لتطوير أدوات الاقتراع والفرز بكلّ الوسائل المتاحة، وتسخير الخبرات والكفاءات المجمّعة في صفوف الكادر البشري، الذي تولى إدارة العملية منذ عقود مضت، وراكم المزيد من الخبرات مع تعاقب الدورات.
إن الدعوة واجبة مستحقّة الى مشورة وطنية في خلوة تجمع القضاة المشرفين ورؤساء الأقلام والكتّاب وسائر الموظفين، الذين ساهموا في إدارة العمليات الانتخابية عبر الدورات المنصرمة، لإجراء مناقشة موسّعة وعلنية في كيفية تطوير النظم الانتخابية وتحديثها.
الأكيد أن حاصل هذه المناقشة سوف يتيح رزمة أفكار واقتراحات، تصبّ في ترشيد البحث حول سبل الارتقاء بالنظام الانتخابي، الذي نكرّر الدعوة الى إصلاحه وتعديله عبر تحرير التمثيل النيابي من القيد الطائفي، الى جانب إحداث مجلس للشيوخ، وولوج هذه الفجوة التي فتحها نظام الطائف ممرا الى تطوير النظام السياسي التمثيلي بصورة تطور بنية الدولة والمؤسسات بتحرير النيابة من القيد الطائفي، وتثبيت توزيع الرئاسات الثلاث، مع مداورة مقترحة للرئاسة الرابعة المحدثة بين الدروز والكاثوليك، وبشرط أن تكون ولايتها لسنة واحدة.
إن ما تقدم من تجربتنا البرلمانية والدستورية يستحق النقاش الحرّ والمنفتح بذهنية التطوير المستقبلي، وبروحية مواكبة الأجيال الطالعة واستقطابها الى العمل العام، بعد حذف العوامل النافرة المنفرة، وإحداث التغييرات الهيكلية المستحقة برسم الأجيال الطالعة. فهكذا تعمر البلدان وتتقدم الدول.