انتخاب الرئيس الماروني من الشعب يكسر الحلقة المفرغة
غالب قنديل
تدور الحال السياسية والدستورية اللبنانية في الحلقة المفرغة كلما دخل البلد زمن استحقاق دستوري، وبالذات مع دورة انتخاب رئيس الجمهورية، فيتحرك القناصل والسفراء على قدم وساق عير الكواليس والخلوات والزوايا المتعددة لدهاليز السياسة اللبنانية وأنفاقها المظلمة، وما أكثرها بما تظّهر منها، وما خفي كان أعظم وأدهى، كما تقول عبر ودروس التجربة التاريخية.
تنشغل الصالونات والكواليس والدهاليز السياسية والدبلوماسية بتداول الأسماء والصفات المحصور تداولها في الدوائر الضيقة، ويحرص المشتغلون في المطابخ على ضمان عدم التسرّب، بينما تتقن التسريب المنظّم حلقات التدبير والتحضير والإعداد، بإشراف القناصل والسفراء المنتدبين ومدبري الحملات الإعلامية المنسّقة، التي تمثّل فصلا ملزما لتهيئة الرأي العام وتسويق الأسماء وترويج الصفات المنسوبة والمنحولة.
إن كسر الحلقة المفرغة يستدعي إرساء قواعد وأسس جديدة في واقع النظام السياسي وانبثاق السطات، وهذا يعني ويوجب الاحتكام للانتخاب الشعبي المباشر في اختيار الرئيس مع تثبيت طائفته مراعاة لتوازن النسيج الوطني. ولتتحول الانتخابات الى منافسة بين المرشحين للرئاسة على تلبية متطلبات الوحدة الوطنية والمصالح الوطنية العامة.
حاصل هذا التغيير الدستوري الممكن سيكون تحويل الاستحقاق الرئاسي الى مباراة بين المرشحين الموارنة على اعتماد البرامج والمشاريع الرئاسية الأكثر شعبية، والأكثر قدرة، واقعيا، على تلبية طموحات الناس وتطلعاتهم، ولاسيما الأجيال الشابة في بلد فتي بالنظر لمعدّل متوسط الأعمار.
انتخاب الرئيس من الشعب ينهي دور القناصل والسفراء والغرف السوداء، وينقل اللعبة الديمقراطية الى ميدانها الأصلي. والأهم ولا شك، أن تعديلا دستوريا سيطرح نفسه لتعزيز الصلاحيات الرئاسية بناء على هذا التغيير. فالرئيس المنتخب من الشعب مباشرة يمثّل إرادة تسمو على ما تجسّده وطنيا ودستوريا أيّ غالبية نيابية، مهما كان نسيجها ووزنها التمثيلي الواقعي.
إن أي مرشح رئاسي يطمح لكسب أصوات الناخبين سوف ينأى عن العصبيات، ويتحصّن بخطاب وطني جامع يلامس حساسيات وهموم الغالبية الشعبية من اللبنانيين، وسوف يضطّر الى صياغة مشروع رئاسي، يلقى التجاوب الشعبي، ويكسب لترشيحه الزخم والصدى المناسب، والرصيد الضامن لفرص الفوز بالموقع الرئاسي الأول في الدولة.
إن الإبقاء على مارونية الرئيس لا يناقض مبدأ الانتخاب الشعبي. بل هو الفرصة لإطلاق تحول في النظام اللبناني، يفرض على المرشحين لرئاسة الجمهورية الموارنة التسابق الى احتضان هموم الناس من جميع الطوائف والمناطق دون أي استثناء. وهذا سيحدِث ثورة في الخطاب السياسي الشائع عموما، تتخطى مفاعيلها الحدث الرئاسي الى شتّى وجوه الحياة السياسية والدستورية. وإذا كان الشعب حقا مصدر السلطات، فليكن الاحتكام اليه والى إرادته في صناديق الاقتراع لإعادة تكوين السلطات الدستورية واختيارها.