تناغم تركي صهيوني في استنزاف سورية
غالب قنديل
الحاصل الواقعي للمشهد السوري الراهن، هو التزامن بين العدوان الصهيوني المفتوح والمتواصل بمؤازرة أميركية مباشرة ومعلنة الى جانب الاحتلال التركي، والعدوان التركي المفتوح على سورية الموضوعة بين فكّي الكماشة التركي والصهيوني تحت المظلة الأميركية. بل ومع تورّط أميركي مباشر في الاحتلال والعدوان على الأرض السورية.
تتنوع الذرائع، ويتكاثف اللغو في تسويق ما يبرّر التدخلات، التي تتلاقى على شلّ الدولة الوطنية السورية ونهب خيرات سورية وتكتيف هذا البلد واستنزافه ومنع قيامته ونهوضه من جديد. وكلّ ما يدور ويجري، يؤكد أن المطلوب، بإجماع المراكز المخطّطة والقيادية الصهيونية الأطلسية، إخماد القوة السورية وخنقها وتغييبها كلّيا عن مسرح الأحداث كعامل فاعل ومشارك في رسم المعادلات والتوازنات.
في مواجهة هذا المناخ المريب والمخططات المشبوهة تواصل سورية صمودها شعبا وجيشا وقيادة بإرادة وتصميم مثيرين، ومعها الحلفاء الصادقون، وشركاء المصير من الدول الحرة في العالم، ومحور المقاومة والتحرّر في المنطقة، الذي كانت ولا تزال سورية تشغل موقعا قياديا في طليعته بخيارها السياسي والاستراتيجي الثابت، الذي ترسّخ وتعزّز، رغم ما تكبّدته من تبعات وأكلاف وضربات واعتداءات لكسر شوكتها وتهشيم قوتها.
ما تمثله تركيا في حلقة استهداف سورية، هو الحلف الأطلسي بجميع دوله، التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، وبشراكة من سائر دول الحلف الغربية الاستعمارية، التي تنصاع لمشيئة واشنطن، رغم كل خطاباتها المعسولة عن حقوق الشعوب، وعن احترام استقلال الدول وقرارها الحر. وكفى بيانا أن يكون الكيان الصهيوني، هو الشريك الرئيسي في العدوان على سورية، التي لم تسجِّل في تاريخها المعاصر أيّ سابقة عدوانية في جوارها، بل هي التي تلقت الضربات وقاومت الحروب العدوانية، وبادرت لتلبية استغاثات الأشقاء غبّ الطلب من دون أطماع أو إملاءات أو شروط.
استنزاف سورية يُراد منه منع نهوضها حتى لا ترفع قيامتها شرقا جديدا، يمتلك القدرات والإمكانات، ويحوز قابلية التحول الى كتلة حاسمة نوعيا في التوازن الإقليمي، وهي القادرة على تغيير المعادلات والبيئة الاستراتيجية، بل واستقطاب التحالفات والشراكات القريبة والبعيدة، مما سيغير نوعيا في المناخ الإقليمي، بدءا من مدّ جسور الشراكات المفتوحة والممكنة مع الجوار القريب في لبنان والعراق والأردن، وصولا الى الكويت وسائر دول الخليج العربي. كما ترتبط سورية بصداقات وشراكات تقليدية تاريخية مع اليمن ومصر والسودان والجزائر وأرتيريا والصومال.
ليس من العبث أنها لُقّبت بقلب العروبة النابض. فلكل بلد عربي في سورية وعاصمتها ومعها تذكار وصفحات مخلّدة، كانت فيها سورية، شعبا وقيادة وبلدا، تقف مؤازرة في المحن، مساندة لأشقائها على امتداد العقود الماضية. وعلى مدار الأزمات والحروب والمحن، التي اجتازتها سائر البلدان العربية، كانت سورية أول المبادرين للعون والنجدة بأقصى طاقتها وإمكاناتها، وبموقفها الحازم، الذي لن يفلح التآمر الصهيوني التركي الأميركي الغربي في كسره أو تطويعه، مهما اشتدّ التواطؤ العربي المشين. فسورية ستبقى القلعة النوارة الشامخة، وراية العروبة والتحرّر في المشرق، والقلب النابض الخافق، الذي لا ينال منه التكالب الاستعماري، بل يزيده قوة وألقا وتوهجا. وسورية هي قلب محور إقليمي وازن يغير وجه المنطقة، ويتعلّم من التجربة عبرة أن القلب المعافى يحمي سائر الساحات والميادين، وأن الدفاع عن سورية، هو صنو الدفاع عن أيٍّ من بلداننا وساحاتنا المتصلة، المشبوكة في وحدة المصير، والشريكة في قدر مستحق لا فكاك منه.