الكيان الصهيوني ومتلازمة العجز
غالب قنديل
يُثار الكثير من الضجيج والتساؤلات عن مستقبل الوضع في المنطقة بعد تصدّر اليمين الصهيوني المتطرّف للمشهد السياسي في الدولة العبرية، رغم أنه لم يحقّق الغالبية منفردا. وقد انشغل المراقبون في قراءة وتحليل النتائج النهائية لانتخابات الكنيست، التي ترجّح قيام ائتلاف يميني بقيادة بنيامين نتنياهو، يضم رموزا وجماعات متشدّدة عن يمينه.
تركّز الدوائر الأوروبية والغربية على رموز التطرّف الصهيوني الأكثر تشددا في لعبة تسويق متقنة غايتها تسويغ المساكنة مع نتنياهو وإخماد الاعتراضات الفلسطينية والعربية، بحيث يصبح نتنياهو في لغة التسويق المبرمجة أكثر اعتدالا ومقبولية من الجماعات والرموز الصهيونية المتطرفة، وهو بالتالي الأقل استفزازا في موازين المقارنة والمفاضلة، وغالبا ما يَشرع الأميركيون والغربيون، بعد تسويق هذه الصورة الافتراضية، في طلب التنازلات تحت عنوان تمكين نتنياهو من الثبات في وجه منافسيه الأكثر تطرّفا.
من التضليل البائس ترويج صورة اعتراض أميركي وأوروبي على الجماعات اليمينية الأشدّ تطرفا داخل كيان استعماري، دعمه الغرب منذ قيامه على الاحتلال والاستيطان والاغتصاب، وارتبطت حروبه العدوانية واحتلاله للأرض وارتكابه للمجازر في لبنان والأردن وسورية وداخل فلسطين بإجرام يساره قبل اليمين. فحزب العمل الصهيوني، هو القوة المؤسسة للكيان الغاصب والنبت الاستعماري الاستيطاني، لا يتبدّل جوهره باختلاف التسميات والأغلفة وتعاقب الحقب والأجيال.
التغيّر في البيئة الإقليمية، هو الذي ينعكس داخل الكيان الصهيوني منذ قيام محور المقاومة، الذي فرض حدودا وسقوفا مانعة للغطرسة الصهيونية، وغلّ أذرع الكيان الاستعماري المكبّلة بالردع القاهر، وحيث بات الرضوخ للأمر الواقع والتسليم بالنتائج والمترتّبات السياسية والعملية خيارا لا مفرّ منه، تحتّمه البراغماتية الواقعية، سواء وردت عبر خلاصات القادة الصهاينة أم في رسائل النصح والمشورة الأميركية الغربية الراعية للكيان ولديمومة غطرسته في الإقليم.
تخويف الجمهور العربي بصعود اليمين المتطرّف داخل الدولة العبرية بلا جدوى، بل إن من شأنه استنهاض همّة المقاومة وارادة التصدي للعدوانية الصهيونية، التي اختُبرت وجُرّبت بجميع مصنّفاتها وعناوينها وتشكيلاتها على مدى عقود. واذا سعت حكومة العدو لتجريب حظّها في هزّ معادلات الردع وتوازن القوى الحاكم على مستوى المنطقة، فسوف تعود خائبة وترضخ من جديد لعقلانية المساكنة مع توازن قاهر مهما تحايل القادة الصهاينة.
المشيئة الأميركية الأوروبية الراعية للكيان الصهيوني تواصل متابعة الأحداث عن قرب لضمان استمرار القاعدة الاستعمارية العدوانية واستقرارها في كل الأحوال والتحولات، وتبذل دول الغرب أقصى ما تستطيع من الجهد لتسويق فكرة الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة العلاقات معه، ومحاولة توسيع دوائر ما سُمّي باتفاقات السلام والتطبيع بعيدا عن الطوق العربي. فمتى كانت البحرين، المستعمرة البريطانية، طرفا في الصراع العربي الصهيوني، وغيرها من الدول العربية، التي يقودها الأميركيون والغربيون الى مدّ جسور شراكة وتحالف مع الكيان الصهيوني؟! والغاية من كلّ ذلك تفكيك عزلة الدولة العبرية، وتمكينها من اختراق المزيد من الدوائر والأوساط في البيئة العربية، واعتبار الكيان الاستيطاني الاستعماري شريكا طبيعيا في المنطقة لا درنا وورما سرطانيا متوجّب الإزالة مهما كان الثمن أو طال الزمن.