“المهمة أنجزت” والمقاومة صنعت التحول
غالب قنديل
ما كان شيء ممكنا لولا قوة المقاومة وجاهزيتها وقدرتها الرادعة، التي يعرفها العدو الصهيوني، ويلاحق تناميها عن كثب، بل يترصّد الشاردة والواردة في السعي لتطويرها وتنمية مواردها. فهذه القوة المهابة التي باتت طرفا في معادلات المنطقة وتوازناتها وهي تلعب أكثر من دور إقليمي يراقبه الأعداء ويتابعه الأصدقاء، ويعلمون الأثر والصدى.
النفير الذي استمرّ لأشهر متواصلة بصمت، ومن غير أي جلبة، في استعداد دائم ومتواصل لحرب كبرى دفاعا عن لبنان وحقوقه، أدى الى خضوع الدولة العبرية، وأفضى لاتفاق الترسيم البحري الحافل بالوعود في عائده المباشر وحواصله الاقتصادية والمالية المرتقبة.
عبّرت لهفة الشركات العالمية وحمّى التسابق الى العقود عن حقيقة ما اعتلمه الخبراء من مؤشرات حول الثروة النفطية والغازية في المياه الإقليمية، في بلد لا يحتفظ في الذاكرة السمكية العابثة بأيّ مسح جيولوجي شامل للبرّ والبحر، يبيّن مكنوناته من ثروات طبيعية قابلة للتنقيب والاستخراج. وثمة كثير روايات عن مناطق لبنانية تستبطن المعادن. ناهيك عن الثروة المائية الضخمة التي أتلفناها بالتلوث الناتج عن فضلاتنا المصرّفة الى الانهار وعبرها.
مرحلة جديدة توشك ان تبدأ، سوف تحمل معها الكثير من فرص العمل والعائدات الوفيرة للبلد خلال سنوات قليلة، تسمح ببدء مراكمة مداخيل، ورسملة مشاريع استثمارية واقتصادية، وخلق فرص العمل على نطاق واسع، وتدشين عهد نموّ ممكن ومتاح لمختلف القطاعات المنتجة إذا أحسن اللبنانيون اغتنام الفرصة واستثمارها وإدارة النتائج على أفضل ما هو ممكن ومتاح.
لقد ترنّحت البنية الاقتصادية اللبنانية في حقب الريعية، ودفعنا ثمن الأحادية البلهاء التي بدّدت فيضا كثيرا في العقود الماضية، وحكمت على البلد بتورّم مرضيّ أفضى الى الارتطام الكبير في ساعة الحقيقة المؤلمة. وعِبَر التجربة تفترض انتشال العقل السياسي من نشوة الصدفة وأحلام اليقظة.
الراهن والأشد إلحاحا، هو التفكير العلميّ المنهجيّ والدقيق في كيفية التخطيط لبنيان متوازن، ينوّع الموارد بتكامل المزايا واندماج عناصر القوة، بحيث يكون مستقبل لبنان الاقتصادي جامعا، يدمج عناصر التفوّق وبناء شبكة موارد اقتصادية متنوعة، بحيث تتكامل أسباب القوة، وتحقّق متانة الاستقرار والنموّ الاقتصاديّ والمجتمعي على أوسع نطاق ممكن.
أحادية الخدمات والريعية، هي سمة يجب أن تطوى من تاريخ لبنان والعقل السياسي، ومن الخطير استبدالها بأحادية النفط والغاز، بل إن الفطنة والحكمة تقضيان الالتفات الى كيفية تطوير سائر القطاعات المنتجة في البلد من زراعة وصناعة، واستنقاذ الثروة المائية الى جانب تطوير الموارد السياحية، وتثوير هذا القطاع وتحديثه، ليحتل مكانة لائقة ومنافسة عالميا، وفيه إمكانات وقدرات هائلة.
بلدنا الصغير زاخر بالثروات وثروتنا البشرية المقيمة والمهاجرة، هي الأثمن والأغلى. فقليلا من الانتباه لكنوزنا الواقعية المهملة.