عودة حماس الى دمشق وفلسطين
غالب قنديل
لا يمكن لأيّ عروبيٍّ تحرّريٍّ في منطقتنا أن يتنكّر لثبات سورية الأسد في موقعها كقلعة لرفض الهيمنة والتمرّد على المشيئة الاستعمارية، التي تجسّدها الخطط والمشاريع الأميركية في المنطقة، ما كلّف سورية سابقا وراهنا الكثير، وعرّضها لنيران وزلازل، صمدت في مجابهتها بكلّ ثبات.
تمثّل تصفية قضية فلسطين لُبّ ومركز التخطيط الأميركي الصهيوني، انطلاقا من موقع الدولة العبرية المتقدّم في حماية المصالح الأميركية والغربية، كمنظومة هيمنة ونهب واستتباع اقتصاديّ ماليّ وسياسيّ وأمني في المنطقة برمّتها، مع تنوّع الأدوات والأنماط والمظاهر، بما في ذلك بعض الهوامش النسبية، التي لا تخرق المشيئة الأميركية الغربية، مع بعض التُبَّع المنخرطين بانتحال صفات ومواقع ومواقف، لاكتساب حصانة استقلالية واهية، تُغلَّف بغلالات ومشروعيات مزعومة، يقبلها الصانع الأميركي ويتساكن معها طالما هي لا تمسّ في جوهرها منظومة الهيمنة والنهب والسيطرة.
الأمثلة كثيرة في الماضي القريب والبعيد عن واجهات شعاراتيّة، استبطنت الانخراط في مشاريع تثبيت الهيمنة الغربية الأميركية، وانكشفت في أزمنة الشدّة والعسر. فانقشعت حقيقة الارتهان وتهاوت الطلاءات والشعارات على مفترقات سياسية، وقّتها المشغّل الأميركيّ الغربي، وافتضحت بذلك خيوط التحريك وسلاسل الربط الاستخباريّ والسياسي، التي توارت في الخفاء طويلا، وانتحلت أقنعة شتّى في أزمنة التباس واشتباه.
لا يمكن لأيّ عاقل في المنطقة، ومن الموقع الفلسطينيّ التحرّري، إغفال مكانة سورية وموقعها الحاسم في الصراع العربي – الصهيوني. والفلسطينيّ المقاوم يُفترض به أن يكون الأشدّ تحسّسا وفهما لهذه الحقيقة الساطعة، والأشدّ توقا لتطوير وتوطيد عرى التلاحم الكفاحيّ مع دمشق قلعة العروبة وحاضنة فلسطين على امتداد عقود، رغم التحوّلات العاصفة، وفي شتّى العهود.
سورية هي اليوم الحاضرة العربية التحرّرية المقاومة، التي تتصدّى للحصار والعدوان، وتقاوم بكلّ الوسائل، وهي، رغم قساوة الظروف وشدّة الحصار، ثابتة على عهودها لفلسطين ولفصائل المقاومة الفلسطينية، لا تبدّل ولا تساوم، وتفتح الباب للعائدين الى فلسطين عبر دمشق من تيه الحكومات المنفوطة وضلالها.
عودة حماس الى سورية بعد تطهّرها من الانقلاب الأخوانيّ الرجعي، هي عودة الى فلسطين والى أسوار وبوابات القدس، وهي فعل إشهار ورسوخ انتماء قوميّ وطني، تَعرّض لمحاولة انقلابية مشؤومة، حَتّمت حركة الصراع ومصالح الشعب الفلسطيني وبصيرة السواد الأعظم من مجاهدي الحركة إسقاطها والتخلّص من أدرانها لصالح الهوية التحرّرية المقاومة، التي يجسّدها الحلف مع قلعة المقاومة والعروبة سورية الأسد.
حماس عادت الى دمشق، وعادت تسعى الى تحرير فلسطين مع شقيقاتها من الفصائل المقاومة، منسلخة هاجرة للتيه الاستسلاميّ المنفوط ومغرياته البائسة، التي أوقعت الكثيرين في مهاوي الخيانة والغربة عن قضية تجدّد حيويتها بنبض الأجيال الفتية من أبناء فلسطين، الذين يبتكرون على الدوام كلّ جديد مدهش، ويطلقون موجا مقاوما لا يهدأ، فيذهل العدو، ويبهر الصديق، ويستحقّ كلّ التقدير.