روسيا والصين وإيران تكتل الشرق الصاعد
غالب قنديل
التجمعات العابرة للحدود القارية والدولية هي سمة العالم المعاصر. وقد بات واضحا أن المحركات والحوافز الاقتصادية تقود الى تكتلات شبه قارية عابرة للحدود والنظم والثقافات، وينشأ عن هذا الحراك العالمي مخاض استراتيجي تحفزه رغبة متزايدة في كسر طوق الهيمنة والنهب اللصوصي للثروات والموارد، الذي شكل مضمون الحركة الغربية الأوروبية والأميركية في العالم الثالث.
ركن العالم في حالة خضوع للهيمنة، وصودرت فرص نموه واستقلاله وتطوره إلا حيث قادت حركات التحرّر بناء دول مستقلة، وأنشأت اقتصاديات وطنية ذاتية المركز على قاعدة الاستقلال والتنمية المستدامة. فقامت وتسامت قلاع ضخمة وعملاقة تميزت بمناعتها واستقلالها وبنسق تطورها الخاص، مثل الصين وروسيا وكوبا وإيران وكوريا الشمالية ونيكاراغوا وغيرها… وكل من هذه الدول تقيم نطاقها الإقليمي الخاص من الشراكات والتحالفات في جوارها الجغرافي القريب.
ثنائية شرق غرب وعقد النقص التي بذرها الاستعمار الغربي اللصوصي في منطقتنا تنهار متداعية متهالكة مع تصاعد نزعة الاستقلال والتحرّر من الهيمنة، وهي تستدعي نهضة ثقافة جديدة باتت مفرداتها واسعة الانتشار، بحيث توارت شتى تعبيرات الخضوع والارتهان وبات المسيطر اعلاميا وثقافيا سؤال يتردد صداه عن مضمون الخيارات والمشاريع والبرامج والخطط التي يمكن بها تحرير الثروات والموارد واستثمارها لمصلحة الشعوب.
ثقافيا وإيديولوجيا تمثّل التجارب الشرقية الرائدة نماذج متنوعة وغنية في خصوصياتها، وهي على عكس نمطية المعتاد في القرن الماضي من تصنيف إيديولوجي للأنظمة. وحين نتناول تلك التجارب يمكن أن نعاين العوامل والملامح المشتركة والجامعة، التي تمثل سمة فاصلة ومميزة.
روسيا بوتين خرجت من رحم التجربة السوفياتية العملاقة، واتخذت مسارا يناسب هويتها القومية، واختطت نهجها السياسي المتميز ببصمة خاصة في الشؤون العالمية، وهي تجدّ في طريق البناء والتقدم ضمن علاقات جوار وشراكات بعيدة كليا عن منطق السيطرة والتسلّط، بل تحكمها الندّية والمصالح المتكافئة والمشتركة.
بالمقابل يتواصل نمو وتطور الصين الثابتة في هويتها الفكرية والعقائدية الشيوعية، مع تطور لافت، أضفى مرونة براغماتية اقتصادية وسياسية مواكبة للاقتصاد العملاق ولشبكة المصالح العالمية المتشعّبة التي وصفت بإمبريالية السوق، وهو توصيف لدور عالمي طاغ بات من مسلمات الاقتصاد السياسي المعاصر.
حين نضع في الاعتبار والقياس إيران الإسلامية الخمينية التي قطعت أشواطا هائلة في البناء الاقتصادي والعلمي والحضاري، وحققت وثبات هائلة في مختلف مجالات العلم والتكنولوجيا، التي يرعاها ويشرف عليها جيش من الخبراء والباحثين وبتوجيه خاص من المرشد الخامنئي، نقع على نموذج لحاضرة مشرقية مميزة في شتى مجالات العلم والتكنولوجيا والأبحاث الصناعية والزراعية والطبية المتقدمة، التي ترفد اقتصادا ناميا وعملاقا رغم ما تتكبده الجمهورية من أعباء دعم واحتضان حركات التحرّر والدول الصديقة والحليفة.
إن قيام تكتّل شرقي من هذه القطبية المثلثة الصين وروسيا وإيران سيكون بشارة لشعوب منطقتنا وبلدانها الحرة ولحركات المقاومة والتحرر.. ولا سيما في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن وغيرها.