لبنان الجدير بانتزاع حقوقه من العدو 

غالب قنديل

ما يدور في مسار التفاوض غير المباشر مع العدو حول حقوق لبنان البحرية، هو نموذج لسبل تسييل القوة الرادعة للمقاومة وتوظيفها ضمن مسار الحركة السياسية والدبلوماسية للدولة اللبنانية، بما يضمن انتزاع الحقوق وإدارة تفاوض محكم ومدروس بدقة منهجية لمصلحة لبنان بأقل قدر من الثغرات المحتملة والهفوات، التي غالبا ما عكّرت أداء الساسة في بلدنا.

تنبغي الشهادة للبنان الرسمي بجميع مستويات المسؤولية الدستورية والسياسية بالأداء الحكيم والبعيد عن الهفوات والثغرات، والشهادة بالتحديد للرؤساء عون وبري وميقاتي وللرئيس الياس بو صعب الذي يدير الملف التفاوضي غير المباشر بتكليف مباشر من الرئاسة الأولى.

أمكن للبنان الرسمي تسييل فائض القوة في مسار التفاوض غير المباشر مع العدو بمنهج علمي، تَجنّد في سبيله حشد من الخبراء اللبنانيين، الذين عملوا بدقة على إعداد الخرائط والوثائق، التي تَزوّد بها المفاوض اللبناني، الذي أدار النقاشات بكل حرص ومسؤولية وطنية وتستحق علينا التحية لجميع الجهود، التي سُخّرت في سبيل تحقيق غاية مرجوة طال اشتهاؤها وانتظارها.

ما كانت تلك الحصيلة لتقترب لولا قوة المقاومة وقدراتها المتعاظمة وعيونها الساهرة، وكذلك لولا وحدة الموقف اللبناني الرسمي وتماسكه بدافع المسؤولية الوطنية، وليس فحسب لأن الظرف الحرج ضاغط، فصلابة الموقف وتماسكه تعكس قوة ومناعة، وهي بعيدة كليا عن أي ملامح انهيارية قد يفترضها العدو سانحة لانتهاز حراجة ظرفنا الاقتصادي والمالي الصعب.

حتى الساعة تُرهَن الأمور بخواتيمها، ولكن ينبغي التأكيد أن لبنان بتماسك الموقف ووحدته قام بكل المقتضى الوطني السيادي في ظرف شديد الصعوبة والقسوة، وإن جرت الأمور وفق التوقعات الراجحة سيكون إنجازا وطنيا كبيرا يفيض بعائداته على البلد كله، وهو تحول غير عادي في زمن حرج.

لن نضيف جديدا الى ما نُشر وشاع من روايات وتوقّعات عن مستقبل الغاز الموعود، ونفضّل الابتعاد عن سجالات وجهة الاستثمار والتصرّف بالعائدات وإدارة الصناديق. فالأجدى هو إنجاز الملف وبلوغ الخاتمة المأمولة وطنيا قبل كل شيء. وستبقى الأولوية الحاضرة هي التضامن والتماسك لبلوغ الخاتمة السعيدة الممكنة والقريبة، التي ترجحها المؤشرات، وبعدها لكل حادث حديث.

لقد أثبتت خبرة التجربة جدارة الواقع اللبناني الوطني والرسمي بخوض معركة سيادية دقيقة وحساسة. وأظهرت المقاومة براعة نادرة في توجيه رسائل القوة التي تجعل العدو مضطرا للرضوخ محكوما بمعادلات القوة، التي أنهت عقودا من الغطرسة والتنّمر والعدوان، وهي تفرض على الكيان الصهيوني، ومعه الحلف الأميركي – الغربي، أقسى درجات الانتباه والتحوّط في التعامل مع لبنان، الذي جعله سيف الردع المقاوم قوة إقليمية، يخشاها العدو، ويحترمها الأصدقاء.