روسيا وإيران وتركيا والتلفيق حول سورية
غالب قنديل
التلاقي والتعاون بين الدول الشرقية المتجاورة ضرورة راهنة، تفرض حضورها على جداول أعمال الحكومات واللقاءات العابرة للحدود، وبنود بحثها الاقتصادية والأمنية والسياسية التي يستحضرها الواقع المحلي والبعد الدولي والإقليمي في الأزمات والمشاكل الضاغطة والطاغية.
الطريقة الملفّقة التي تمّ بها إيراد البند السوري في البيان الصادر عن القمة الروسية الإيرانية التركية تعكس حسابات مصلحية، وتجافي أيّ كلام عن المبادئ والاعتبارات الأخلاقية والقيمية لفكرة التضامن والتعاون والحلف المبدئي، الذي مهرته سورية بتضحيات ودماء في كثير من المحطات وبوقفات مشرفة مع سائر أصدقائها وحلفائها، بغضّ النظر عن المسافة والكلفة والتبعة.
الغدر العثماني والخيانة الموصوفة للمعايير والقيم الشرقية وأولها الجيرة والرابط الإسلامي المزعوم كإطار هوياتي وثقافي يناقض ويجافي الانتماء الوقح الى الناتو، والعداء لسورية والتآمر على وحدة شعبها وأراضيها وسيادتها الوطنية، واختراع التبرير الساقط للعمليات وسط خطط تتريك تسير وتندفع وتستمر ميدانيا من غير وازع أو مانع، وهي خارج المواقف والبيانات الروسية والإيرانية، بكلّ أسف.
سورية دائما تحمل الكلفة ولا تمنّن، بل تعطي وتهب فلا تسأل. والتجربة القريبة مع تركيا هي مثال الغدر والخيبة من الجار الأطلسي المتنمّر، الذي كشّر عن أنيابه وأنشب أظافره في الجغرافية السورية، ولفّق خرافات أقوامية، ليخترع الذرائع الساقطة في تغطية وتبرير أطماع نافرة.
التركمان السوريون منذ عقود طويلة يتحدّثون اللغة العربية وهم مندمجون في النسيج الوطني السوري، وبالكاد يميزهم ويلاحظ وجودهم من يخالط السوريين ويحتكّ بهم، فلا يشكون تمييزا، بل إن الكثيرين منهم لم يكونوا يلتمسون حاجة لتمييز أنفسهم بهوية مفارقة قبل اختراع ذريعة فبركها لصّ حلب تغطية لأطماعه.
من التركمان ضباط سوريون من مختلف المراتب في الجيش العربي السوري، ومنهم شهداء وجرحى في العديد من معارك الدفاع عن الوطن في سائر المحطات والملاحم، التي خاضها الجيش العربي السوري ولم يستشعروا يوما أيّ تمييز.
كنا نتوقع من الأصدقاء الروس والأشقاء الإيرانيين موقفا واضحا وصارما، يرمي بثقل الحليفين في الضغط على لصّ حلب لإرغامه على سحب كلّاباته ومخالبة من الجغرافية السورية، وتنظيم تسليم تلك المناطق لقوات إيرانية وروسية ريثما تصبح في عهدة الجيش العربي السوري.
لكنّ ذلك لم يحصل، بكلّ أسف، لأن موسكو وطهران لم تعتبرا الأمر أولوية تستحق الإثارة والبحث. وقد غفل الحليفان عن المبادرة في انتهاز سلبي مؤسف للعفّة السورية، رغم ما سبق من فضائل سورية وتضحياتها، وارتقابنا مع الأشقاء لردّ الجميل بالمثل، عملا بحسن الجوار وأخلاقيات الإخاء الشرقي، وعدم انتظار الطلب، ولولا جرت المبادرة لكان صداها عظيما.
نتوجّه بالمناسبة الى قائد المقاومة سماحة السيد نصرالله لينظر في هذه القضية بعقله الحكيم ورؤيته الاستراتيجية، وينقلها الى الأخوة في طهران. ومَن أجدر منه وأصدق في الشهادة لسورية، وفي النخوة لحقوقها وكرامتها وسيادتها.
إن عَفَت دمشق ورئيسها عن الطلب، فالمبادرة فضل نخوة وواجب أخوة. والمرجو خطوات من موسكو وطهران تصحح الخلل بسرعة دون إبطاء أو تماهل. وفي ذلك شبهة مساومة وجحود لن يبخل المنتهزون في إثارتهما لنصب الحواجز المعيقة لأيّ شراكة مستقبلية، أقله بإقامة العراقيل والموانع النفسية والثقافية المعيقة المضلِّلة.