فاتتكم النجابة ووقعتم في الشرك الأميركي فأسأتم لأنفسكم
غالب قنديل
ليست هفوة عادية، ولا هي زلة عابرة أو سوء تصرف إداري موضعي في شأن تفصيلي محدود من شؤون السلطة التنفيذية، عندما يتطاول أيّ مسؤول لبناني أو يتنصّل من فعل المقاومة في الدفاع عن السيادة والحق السيادي ضمن مبدأ الثلاثية، التي باتت مرتكز المشروعية الشعبية والدستورية الوطنية، منذ إقرارها واعتمادها وتكرارها، حتى حفِظَها الخارج والداخل عن ظهر قلب، وصارت لصيقة بالبيانات الوزارية وبصورة لبنان وعَلَمه وباقي رموزه الوطنية في الداخل والخارج.
لم يجرؤ أيّ مسؤول كان على التطاول عليها أو المسّ بها، حتى لا يصلى جحيما من الردود واللعنات. بأيّ شكل وتحت أي اعتبار أو موجب، لن نقول أكثر، فما شهدناه وسمعناه زلّة خطيرة مشينة، وليست هفوة عادية، وهي لا تُغتفر مطلقا، ولا يمكن تجاوزها. والغريب العجيب ألّا تظهر فطنة الرئيس النجيب في تنبيه الوزير الى ما ارتكب، وقد خانته الدّقة والحصافة المكتسبة من تجربة دبلوماسية طويلة، عرف فيها حساسية الأمر ودقّته، ولم “يزحط” من قبل أو يحيد.
ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة حفظها الصغير والكبير، وهي حِرز حماية وجواز أمان لوطن، وهبه المقاومون أرواحهم وأعمارهم وجراحهم، وهم عيون ساهرة تحميه مع أبطال جيشنا المخنوق والمحاصر بشحّ الإمكانات، حتى بات يتسوّل “القراونة” وينتظر الهبات والملابس والأحذية البالية المتروكة، التي يوضّبها الأميركي ويمنّ بها على جيشنا الوطني.
يندى الجبين لهذه الزلّة الخطيرة، التي لا ينفع معها مجرد اعتذار لم يصدر أو تصويب أو تراجع. ويُغضب العيب حين يرتكبه حصيف أو حريص ويغدو شيئا مستهجنا حتى الفضيحة. والأوقح من الوقاحة تَمسَحة التجاهل والتناسي بعد ارتكاب العيب، تزلفا للأميركي بلا مبرّر ومن غير طلبه.
الأميركي يرصد الشاردة والواردة، وينتهز الفرص والمناسبات في الداخل والخارج، وينشط علّه يقترب من المحيط المحسوب، أكان قريبا لصيقا أم بعيدا عن حزب الله، كي يجد مدخلا أو وسيلة. وعروضه السخية تطارد المقربين للمراودة والاستمالة بألف قناع وقناع، ولكنّ المناعة تنصب جدران حصانة صلبة عصيّة ومحصِّنة. وفي وجدان محيط المقاومة وأصدقائها وصايا شباب بعمر الورد، بذلوا الأرواح في سبيل وطنهم وشعبهم، فكيف لتلك الحصون أن تُخرق أو تُمسّ، وهي مسوّرة بالقلوب.
لا نعتقد أن أيّ اجتهاد أو فذلكة يمكن أن يبررا أو يسوغا سقطة خيانة وفضيحة شائنة. والأخطر هو السلوك العجيب يا دولة الرئيس النجيب ومعالي الوزير الحصيف بو حبيب، توقعنا اعتذارا ولم نجد بالأصل أيّ أثر. حتى التبرير الملتوي لم تتحملوا عناء التفتيش عنه والتحايل على الحروف والكلمات على الطريقة اللبنانية في التذاكي، ولو فعلتم حتى ذلك، لكنّا تجاهلنا الفضيحة.
إن هذه القضية تستحق طرح الثقة بالحكومة تحت طائلة اعتذار خطي علني موجب ومعلن، ودون ذلك مساومة وانتقاص من كرامة لبنان وشعبه المقاوم وشهدائه. ينبغي تسطير الدرس بأيّ ثمن، والواجب أن يأتي الطلب من جهة غير حزب الله. فمَن من الحلفاء والشركاء يملك شجاعة المبادرة في طلب الحقّ وصون الكرامة وحفظ الدماء والأرواح الغالية، ومعظم المناصب والمواقع في هياكلنا الرسمية هي من فيض التضحيات، التي سيّجت الوطن وحصّنت الدولة، التي كان مآلها الإباحة لدبابات العدو وبساطير جنده قبل زمن المقاومة وسيدها العظيم.