بوتين في معركة سافرة ضد الهيمنة الأميركية
غالب قنديل
تقدّم الحدث الأوكراني الى واجهة الاهتمام العالمي، وكشف شهوات أميركية غربية كامنة وسعارا في تفعيل عناصر التأثير المتاحة بكلّ الوسائل في العمل ضد روسيا بقصد استنزافها والحدّ من سطوتها ونفوذها وصولا الى تقويضها بكل الوسائل المتاحة.
استجمعت الولايات المتحدة عملاءها وأدواتها في جميع أنحاء العالم للمشاركة في الحملات ضد روسيا الاتحادية، التي حافظت على رصانتها المعتادة سياسيا وإعلاميا، والغرب بقيادة الإمبراطورية يؤثِر كعادته حجب الرأي المخالف ومعاقبة المنابر الإعلامية، التي تحمل آراء ومواقف ورسائل تخالف توجّهاته وتعارض هيمنته على العالم.
هكذا حُجبت وسائل الإعلام الروسي باللغات العالمية الحيّة على الأقمار الصناعية الأوروبية، وانهارت مزاعم وخرافات احترام الاختلاف والتنوّع والقرية الكونية الحرّة، فيما الدول الأوروبية لم تبدِ أيّ بادرة اعتراض أو اختلاف، وانصاعت بشكل أعمى للأمر الأميركي.
الدول الأوروبية التي ادّعت طويلا حمل راية الحريات في العالم كلّه، وظفت جميع وسائلها ومنصّاتها في خدمة القرار الأميركي، ومن غير همسة اعتراض أو تململ أبدت انصياعا كليا وإذعانا للأمر الأميركي. وهكذا أصاب العمى والخرس منابر عالمية كبيرة وصغيرة وجمعيات ونقابات واتحادات ومجالس، احترفت الضجيج عن الحريات في العالم.
تبدّى تعقيم الفضاء من وجهة النظر الروسية والموقف الروسي قدرا مفروضا في القرية الكونية المزعومة، وهي وصمة عار مشينة سياسيا وإعلاميا لكلّ من تورطوا وساهموا في تلك الحملات، سواء بالتشويه أم بالتشهير والتحريض العدائي. وكلّ ذلك أفعال عمالة وشبهات ارتزاق، أيّا كان الفاعلون، ومن أي جنسية أو بلد أو بأي لغة.
مسار الأحداث يؤشّر الى قرب انتصار روسيا في هذه المواجهة. واقتراب الحسم الميداني والسياسي للصراع يدفع بالولايات المتحدة والغرب لحركة التفاف بالعقوبات والتدابير العدائية. والولايات المتحدة وملحقاتها في الاتحاد الأوروبي تستبق حصيلة مبرمة لمصلحة روسيا والرئيس بوتين، الذي لن يلبث أن يردّ الصاع بما هو أكثر قسوة وأشد إيلاما لجميع المتطاولين في العالم.
روسيا التي تتحضّر لوضع نقطة النهاية في هذه الأزمة، سوف تكون أقوى وأشدّ صلابة وقدرة وجذرية، والفواتير الباهظة في كلفتها، سيدفعها ويحمل تبعاتها كلّ من تطاول أو انخرط في عمل عدائي ضد روسيا من قريب أو بعيد.
لحسن الحظ أن إيران وسورية، بحكمة قادتهما وبالبصيرة الثاقبة، كانتا في الجانب الصحيح من هذه الأزمة وتداعياتها وتفاعلاتها، بدافع من صواب الخيارات التحرّرية والوفاء لصداقة عميقة، توثّقت في ملحمة الدفاع عن سورية الصديقة المشتركة والحليفة الموثوقة، التي جمعت في ميادينها وعلى أرضها خبراء وضباطا وجنودا من إيران وروسيا ومقاتلين من حزب الله، قاتلوا معا وحصدوا خبرات وانتصارات مشهودة، تشكّل خميرة مهمة لشراكات متقدّمة ومتشعّبة، وهي بداية وفرصة مبشّرة لتطور التشابك والتعاون بين هذه البلدان وتحقيق تقدّم كبير في تغيير البيئة الإقليمية والجيوسياسية على سائر الصعد والمستويات كافة.
روسيا الصاعدة، والهجومية بقوتها وصلابتها وفطنتها، تمثّل فرصة تاريخية لشعوب الشرق ولبلدان المشرق العربي. وكم تعتصرنا المرارة من عُتْه نخبنا المستلبة المُستَتبعة، التي تفوّت بمواقفها المتهتّكة على لبنان سانحة التقاط الفرصة الروسية واغتنام شراكات ممكنة بمجالاتها ومردوداتها الوافرة في توقيت حرج نتيجة الانهيار الكارثي.
كم نشعر مجددا بقيمة المقاومة وبرشاد موقفها الواضح النزيه، بخلاف سائر الجهات والقيادات، التي انقادت خلف السراب الأميركي الغربي بغواية مصالح رخيصة وصغيرة، وبأوهام كاذبة أو برهاب الخشية من تحدّي القدر الأميركي الأعمى، الذي تروجّه جوقات وطوابير عمالة.