تركيا والسعودية وتعويض الانكفاء الأميركي
غالب قنديل
تتقدّم الخطى في مسار التحالف التركي السعودي غير المستجد، بعدما تمّ إحياء خيوط اتصال وقنوات تعاون وشراكة بين تركيا والكيان الصهيوني، عُلّقت أو الأصح أُرخيت بفعلٍ عامد في زمن ما سُمّي بالربيع لتحصين الخداع الأخواني، الذي رُسم ونُسِّق من اسطنبول، حيث القيادة الإخوانية العليا و”الخليفة” المفوّض بالأمر الأميركي الغربي.
يتوخّى الغرب، بدفع تركيا والسعودية معا الى الواجهة الإقليمية، إقامة ما تدعوه واشنطن السدّ الإسلامي في وجه التغلغل الإيراني، علما أن طهران ما تزال متفوّقة على واشنطن بقوة حلفها المشرقي، الذي يشمل سورية والعراق ولبنان واليمن، وحيث يتَّسم حلفاء إيران بعوامل قوة وتفوّق ماديّ ومعنوي، تميّزهم بشدة عن المعسكر المقابل، الذي لا تخفى عن ملاحه علامات التضعضع والوهن ومكامن الضعف رغم القدرات الضخمة.
ذروة التضليل والخداع تصوير ما يجري على أنه تنافس إقليمي على الدور والموقع، دون التعامل بجدية مع الدور الأميركي وتأثيره، في ظلّ ما تجسّده علاقات واشنطن الوثيقة بتركيا، الدولة الأطلسية، واحتضانها العضوي للدولة العبرية، وما تجسّده المملكة بالتوازي، في إطار منظومة الهيمنة، ما يفسح المجال لافتراض يُسر إقامة قنوات اتصال وتنسيق صهيونية سعودية بالواسطة الأميركية أو التركية، طالما استعصت المجاهرة بها.
على المملكة أن تخشى من الأصداء والتفاعلات، التي قد تصل الى مناداة إسلامية، ستلقى الصدى الأكيد، بنزع ولاية التاج السعودي عن مكة والمدينة المنورة، وبحث صيغة محتملة وممكنة لإدارة الأماكن المقدسة وتنظيم مواسم الحج والعمرة. ولو شاءت إيران لحرّكت استقطابا جارفا في العالم الإسلامي خلف هذه الدعوة المشروعة مع تمادي التغلغل الصهيوني في بلد الحرمين.
يكفي أن يكون العدو الصهيوني حاضرا في ثنايا المشهد أو في خلفيته، وسرعان ما سوف يصرّح عن حضوره المعلن والمباشر بعد التمهيد السياسي والإعلامي، الذي يراعي حرج المجاهرة على المملكة السعودية، التي ستغتنم أول سانحة تجدها مناسبة لتنطلق الى نقل العلاقة الخفية مع الدولة العبرية إلى العلن.
الخطوات السعودية على دروب الحلف مع الكيان الصهيوني ستنال ثناء أميركيا، وفي الظنّ أن ولي العهد يعتبر أن هذه الورقة ستعزّز فرص تبنّي واشنطن لتنصيبه على العرش السعودي، بما يمثّله من مركز تأثير معنوي وسياسي ومالي واقتصادي في المنطقة.
هذه ليست المرة الأولى لتحريك تحالفات إقليمية بهدف تطويق وخنق الدول الحرّة ومحاصرة امتداد سطوتها ووهجها. يُذكّر السعار الأميركي في الإقليم بزمن الحقبة الناصرية والجمهورية العربية المتحدة وحلف بغداد، ويومها كانت بريطانيا رأس الحربة ومركز التخطيط والقيادة في الغرب، قبل أن يتقدّم الدور الأميركي ويرث الدورين البريطاني والفرنسي وشبكات العملاء، التي انتقلت إمرتها بانتقال مركز الهيمنة والتشغيل.
الصعود الإيراني المتواصل وفيضه على بلدان محور المقاومة بات يقدّم مصدرا للقدرات المالية والاقتصادية والعسكرية، وهو يقدّم، بالمفاضلة، نمطا مغايرا في محتوى العلاقة بالحلفاء، باحترام الخصوصية العقائدية والثقافية والسياسية، وتقديم التناغم السياسي المبدئي على سواه دون أي مقايضة مع الدعم والمساندة بلا شروط واملاءات.
تركيا العضو في الناتو تقدّم بالمقابل منصّة خلفية للعلاقات السعودية الصهيونية، سوف تظهر مؤشراتها ونذرها العملية قريبا، طالما استشعرت المملكة حرجا من المجاهرة، التي تخشى من تبعاتها السياسية المعنوية دون أن تسجل أي تراجع جدي عن المسار الذي اتخذته بطلب من واشنطن.