التحشيد الأميركي حول أوكرانيا والتحدي الروسي
غالب قنديل
تظهر الولايات المتحدة وسائر دول الغرب من خلفها نشاطا استثنائيا وهجومية ظاهرة في حملات تحريض منظّمة وعدائية ضد روسيا، من خلال ما تملكه دول الناتو وتديره أو توجهه من شبكات ووسائل إعلامية في العالم. والقضية الراهنة الحاضرة، هي أوكرانيا. وقد وجدت المؤسسة الأميركية الحاكمة فرصة سانحة للنيل من القوة الروسية الهادرة والمؤثّرة.
تسعى واشنطن بكلّ قدراتها للنيل من روسيا وهيبتها وسمعتها في استنزاف مفتوح، يتحرّك من الفناء الروسي القريب حول الحدث الأوكراني، الذي تستثمره الولايات المتحدة بإتقان لشيطنة الصورة الروسية أمام الشعوب في سائر دول العالم.
يدور الصراع على محكّ منافسة عالمية وتناقضات محتدمة ومستعصية، تملك فيها روسيا عناصر قوة وتفوّقا أخلاقيا بابتعادها عن سلوكيات الغطرسة والهيمنة اللصوصية، ونبذ مستدام متجدّد لنهج العدوان، وهي المتمسّكة بانحيازها المعروف والثابت الى القضايا العادلة والشراكات المتكافئة البناءة مع الدول والشعوب الأخرى.
تلك الحصانة والسمعة الروسية برهنت عليها الوقائع والتجارب طيلة عقود متعاقبة، وتجلّت في دول عديدة، فنسجت ميراثا أصيلا وتراكميا وصورة إيجابية لروسيا، مشفوعة بعرفان وامتنان وتعاطف لدى شعوب عديدة. ولا يمكن لأيّ متابع أو مراقب تجاهل الغيظ والحنق الأميركي الغربي البالع حدّ السعار من تلك الحقيقة عبر استهداف النموذج الروسي ووهجه العالمي.
بديهي ومنطقي أن تتحرك دول الغرب بقيادة الإمبراطورية الأميركية لانتهاز الكوة الأوكرانية في الفناء الروسي القاريّ الواسع، وأن تسعى الى اختبار فرصة تحويلها الى مستنقع استنزاف وجرحا مفتوحا ومنصة شيطنة للنيل من قوة عظمى قادرة ومنافسة، تثير مخاوف لا حصر لها في دوائر القرار الغربي المتوجّسة والمرعوبة من صدى التداعيات السياسية وأثرها الاقتصادي والمالي والمعنوي، ناهيك عن مغزاها الاستراتيجي والعسكري المباشر.
فرضت روسيا حضورا قويا وهيبة بعد نهوضها من هوة الانهيار السوفياتي والتداعيات التي رتبها وبنيت عليه، وهي تحرّرت من تلك التداعيات وتعافت اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، واستطاعت مجدّدا في حقبة البوتينية أن تحقّق سطوة وقوة وجاذبية، وتظهر دينامية عالية ومؤثّرة في الاستجابة للتحديات والتعامل مع الأحداث والتحوّلات.
لا مجال موضوعيا لتخطي حدود الاستنزاف المحصور، الذي يعيق التطوّر الروسي بفرض تخصيص موارد هامة للجهد الحربي والأمني، وصرفها عن حقول ومجالات استثمار، تطوّر الكفاءة والقدرة التنافسية الروسية، التي تطال مروحة هائلة ولا يستهان بها من المواد الغذائية والمنتجات الضرورية بصورة تكسر نمطية النظر الى التميّز الروسي في الصناعات الحربية الشهيرة، التي ذاع صيتها كطائرات الميغ والسوخوي وصواريخ غراد وسكود وبنادق كلاشنكوف وسيمينوف الشهيرة وسواها.
فوجئ كثيرون في العالم، وبلداننا بالذات، بما تكشّف من وقائع الغنى الروسي في المجال الزراعي. وقد فُتحت خزائن معلومات وتقارير مهمة عن مساهمة روسيا الهائلة في الإنتاج الزراعي العالمي من البطاطا والحبوب والقمح والذرة والصويا، كذلك فتحت خزائن معلومات عن منتجات هائلة من الزيوت والمشتقّات الصناعية الروسية، وما خفي أو أحفي، هو حكما أعظم وأشدّ إبهارا وتأثيرا وإثارة للفضول والتنقيب.
قيمة هذا العرض الموجز أنه يقدّم لمحة عن مناعة القدرات الروسية وعقم التهويل الأميركي، وأيّ رهان أحمق على دحرجة روسيا في منزلق الاستنزاف المميت واستنساخ التجربة السوفياتية فالقيادة الروسية تظهر تمكّنا وقدرة هائلة على الاستشراف والتحسّب والمبادرة.